لن تجد الشمس في غرفة مغلقة > اقتباسات من رواية لن تجد الشمس في غرفة مغلقة > اقتباس

‫ تمسك بيده، تتهادى جانبه على الطريق الممهدة بالحصباء، المسيجة بشجيرات التوت البري من على اليمين وفطر المشروم الأحمر المرقط بالأبيض على اليسار، تزقزق مع العصافير على مدﱢ الدرب خارج الغابة المسحورة.‬‬‬‬

‫ لكن ما كانا وحدهما يقطعان الدرب، فالساحرة الشريرة خلفهما تتقفى خطاهما. تهرول متعجلة في فستانها الأزرق بلون السماء، قبعتها البرتقالية مثبتة على شعرها بدبوسٍ أسود بلون سحب الدخان لعلها تغيظ غريمتها الشمس وتدفعها للبكاء. غير أنَّ الشمس لا تكترث لكيدها إذ استفاقت الصباح بمزاجٍ رائق؛ فما غاب عن ذهن الساحرة أن اليوم الخميس لا الأربعاء. ‬‬‬‬

‫ وما إن يصل الثلاثة مفترق الطرق حيث يتشعب الدرب إلى سبيلين متعاكسين، حتى تتمنى الساحرة الشريرة يومًا جميلًا لأيمن والشمس، تفتح حقيبتها الجلدية، تخرج منها لوحي شوكولا منقوشًا عليهما بالكراميل دعوة مكتوبة بخط يدها لمشاركتها العشاء، فطفلةٌ سمينة موعودةٌ بالقدوم إليها هذا المساء. على مرأى حماستها وعينيها الراجيتيْن لا يجرؤ أيمن على ردﱢ دعوتها وكسر خاطرها، فيستلم الدعوة ويودعها جيبه. وكذلك الشمس، بروح طيبة تستلم دعوتها من يد الساحرة الشريرة الممدودة لها رغم خلافهما الأبديِّ حول مبدأ التهام الأطفال في المنام. لكن، ولأنَّ الشمس لا جيوب لها، تحتار أين تودعها، فتحرق دعوتها ويستحيل رمادها بمجرد أن يلامس الأرض شتلات ياسمين أزهارها لن تذبل لألف عام. الساحرة الشريرة تقفز وتصفق، فرحةً مثل طفلٍ نال لتوه وعدًا مشفقًا من زميليه الوحيدين في المدرسة للعب الكرة معه أسفل العمارة. جذلةً تطوق وجه أيمن براحتيْها وتطبع قبلةً على كل خدﱟ من خديه، أما الشمس فتنفخ نحوها قبلةً في الهواء وتدير ظهرها لهما وتتعجل المسير في الدرب المعاكس نحو دوامها المكتبي الممل الذي ينتظرها كل صباح، أوراقها البيضاء المدونة عليها حكايات الأطفال الذين تلتهمهم كل مساء تطير من جوف حقيبتها المنسوجة من قماش، أجنحتها تخفق وترف. أما أيمن والشمس فمسيرهما معًا يأخذ وقتًا أطول من المعتاد، فالشمس ما تفتأ تقف عند كل منعطف كي تلهو معه، تداعب خصل شعره، توكز برقة أنفه وشفتيه، تنفخ نسيمها في أذنه اليمنى تارة، وتارة في أذنه اليسرى.‬‫ وما إن يصلا نهاية دربهما في فراشه، على وسادته، حتى يفتح أيمن عينيه ناسيًا رفقته مع الشمس.‬‬‬‬

‫ ناسيًا دعوة الساحرة الشريرة لهما على مائدة العشاء

هذا الاقتباس من رواية