فيض الخاطر - الجزء الثالث > اقتباسات من كتاب فيض الخاطر - الجزء الثالث > اقتباس

كم في الدنيا من أناس أشقياء أكبر شقائهم ناشئ من أنهم يعملون فيما لم يخلقوا له، هذا مهارته في يده يعمل بعقله، وهذا مهارته في عقله يعمل بيده، وهذا مهارته في قلبه يعمل بيده أو عقله، وهذا ماليٌّ يعمل عالمًا، وهذا عالم يعمل ماليًّا وهكذا، ومن هذا القبيل صنف من المعلمين لم يخلقوا للتعليم وإنما خلقوا للمال، فأجسامهم في التعليم، وطموحهم للمال، فلما لم يصلوا إلى المال — وذلك طبيعي — عذبوا عذابًا شديدًا، وضاقت نفوسهم، واضطربت عقولهم، وفشلوا في التعليم والمال معًا، نسوا أن التعليم عمل روحي لا يصلح له إلا من تجرد للروح وشئونها، وقلبوه إلى عمل آلي فحرموا لذة الروح، ولم ينجحوا في العمل الآلي، وكانت حجرة التعليم سجنًا، وعلاقتهم بالمتعلمين علاقة السجان بالمسجونين، فلم ينجحوا في التعليم الذي قيدوا أنفسهم به، ولا في المال الذي طمحوا إليه، وكان من الخير أن يريحوا أنفسهم من التعليم، ويريحوا التعليم من أنفسهم، لقد فهموا كما يفهم الماليون أن مقياس النجاح في الحياة سعة الرزق، وعظم المرتب، وتدفق المال، فلما لم يجدوا شيئًا في أيديهم عدوا أنفسهم خاسرين، فنقموا على أنفسهم وعلى الزمان، وعلى حرفة التعليم، وعلى القدر الذي ألجأهم إليها، وفاتهم أنهم غلطوا في مقياس النجاح، فوزنوا بالمتر، وقاسوا الطول بالقنطار، فمقياس النجاح في الحياة العلمية غيره في الحياة المالية والمناصب الحكومية.

هذا الاقتباس من كتاب