وحي القلم > اقتباسات من كتاب وحي القلم > اقتباس

هؤلاء الأطفال الذين هم السهولة قبل أن تتعقد.

والذين يرون العالم في أول ما ينمو الخيال ويتجاوز ويمتد.

يفتشون الأقدار من ظاهرها؛ ولا يستنبطون كيلا يتألمو بلا طائل.

ويأخذون من الأشياء لأنفسهم فيفرحون بها, ولا يأخذون من أنفسهم للأشياء كيلا يوجدوا لها الهم.

قانعون يكتفون بالتمرة, ولا يحاولون اقتلاع الشجرة التي تحملها.

ويعرفون كنة الحقيقة, وهي أن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها...

فيجدون من الفرح في تغيير ثوب للجسم, أكثر مما يجده في القائد الفاتح في تغيير ثوب للمملكة.

***

هؤلاء الحكماء الذين يشبه كل منهم آدم أول مجيئه إلى الدنيا,

حين لم تكن بين الأرض والسماء خليقة ثالثة معقدة من صنع الانسان المتحضر.

حكمتهم العليا: أن الفكر السامي هو جعل السرور فكرا وإظهاره في العمل.

وشعرهم البديع: أن الجمال والحب ليسا في شيء إلا في تجميل النفس وإظهارها عاشقة للفرح.

***

هؤلاء الفلاسفة الذين تقوم فلسفتهم على قاعدة علمية, وهي أن الأشياء الكثيرة لا تكثر في النفس المطمئنة.

وبذلك تعيش النفس هادئة مستريحة كأن ليس في الدنيا إلا أشياؤها الميسرة.

أما النفوس المضطربة بأطماعها وشهواتها فهي التي تبتلى بهموم الكثرة الخيالية, ومثلها في الهم مثل طفيلي مغفل يحزن لأنه لا يأكل في بطنين...

***

وإذا لم تكثر الأشياء الكثيرة في النفس, كثرت السعادة ولو من قلة.

فالطفل يقلب عينيه في نساء كثيرات, ولكن أمه هي أجملهن وإن كانت شوهاء.

فأمه وحدها هي هي أم قلبه, ثم لا معنى للكثرة في هذا القلب.

هذا هو السر؛ خذوه أيها الحكماء عن الطفل الصغير!

وتأملت الأطفال, وأثر العيد على نفوسهم التي وسعت البشاشة فوق ملئها؛ فإذا لسان حالهم يقول للكبار: أيتها البهائم, اخلعي أرسانك ولو يوما...

أيها الناس, انطلقوا في الدنيا انطلاق الأطفال يوجدون حقيقتهم البريئة الضاحكة, لا كما تصنعون إذ تنطلقون انطلاق الوحش يوجد حقيقته المفترسة.

أحرار حرية نشاط الكون ينبعث كالفوضى, ولكن في أدق النواميس.

يثيرون السخط بالضجيج والحركة, فيكونون مع الناس على خلاف, لأنهم على وفاق مع الطبيعة.

وتحدتم بينهم المعارك, ولكن لا تتحطم فيها إلا اللعب...

أما الكبار فيصنعون المدفع الضخم من الحديد, للجسم اللين من العظم.

أيتها البهائم, اخلعي أرسانك ولو يوما...

***

لا يفرح أطفال الدار كفرحهم بطفل يولد؛ فهم يستقبلونه كأنه محتاج إلى عقولهم الصغيرة.

ويملأهم الشعور بالفرح الحقيقي الكامن في سر الخلق, لقربهم من هذا السر.

وكذلك تحمل السنة ثم تلد للأطفال يوم العيد؛ فيستقبلونه كأنه محتاج إلى لهوهم الطبيعي. ويملأهم الشعور بالفرح الحقيقي الكامن في سر العالم لقربهم من هذا السر.

***

فيا أسفا علينا نحن الكبار! ما أبعدنا عن سر الخلق بآثام العمر!

وما أبعدنا عن سر العالم, بهذه الشهوات الكافرة التي لا تؤمن إلا بالمادة!

يا أسفا علينا نحن الكبار! ما أبعدنا عن حقيقة الفرح!

تكاد آثامنا والله تجعل لنا في كل فرحة خجلة...

مشاركة من عبدالله الودعان ، من كتاب

وحي القلم

هذا الاقتباس من كتاب

وحي القلم - مصطفى صادق الرافعي

وحي القلم

تأليف (تأليف) 4.5
تحميل الكتاب مجّانًا