شرفات بحر الشمال > اقتباسات من رواية شرفات بحر الشمال > اقتباس

تسحبني البرودة، شيئا فشيئا، نحو محارق الذاكرة. عندما نظن أننا تخلصنا من التفاصيل وتناسيناها، نجدها قد ازدادت توغلا فينا. منذ أن وطئت قدماي تربة هذه المدينة وأنا أنام على الوجوه التي ما تزال تحتل أمكنتها على الرغم من الزمن الذي مرّ. عزيز الذي كان يحلم دائما بأن تتغير الدنيا بسرعة ونعود كما كنا، نحلم ونتقاسم الضحكات نفسها في بيت أمي القديم الذي كبرنا فيه جميعا، انسحب كالظل ولم يعد. أصيب بالمرض الذي يعتريني كلما شعرت بالحياة قريبة مني. جعلته يشترك معي في عشق مدينة وهميّة كنا نؤسسها كل مساء ببصرينا. عندما ينسحب جميع الناس نحو بيوتهم الرطبة، نقف على حافة الخليج البحري ونغرس عيوننا ليلا في الأنوار التي تتزحلق على حافة البحر من سيدي فرج الى جميلة. لمَدراكْ. أصرخ بدون إرادة مني:

- أرأيت يا عزيز؟ ما أجمل هذه المدينة

ينتفض عزيز في مكانه.

- ولكن أين هي هذه المدينة؟

- هي في رأسي. أنظر على هذه الحافّة التي تمتد الى قرابة الخمسين كيلومترا. أترى هذه الأضواء التي تتلألأ وكأنها تأتي من وسط البحر؟ هناك... لا.. لا... على يمين المنارة... أيوه، بالضبط هناك حيث كل يوم أبني مدينة لم يفكّر فيها أحد...

مشاركة من فريق أبجد ، من كتاب

شرفات بحر الشمال

هذا الاقتباس من رواية