من اللحظة الأولى ينجح الكاتب في خلق أجواء خانقة من الغموض والرهبة حيث تتقاطع الحدود بين العقل والجنون الواقع والكوابيس
الرواية تبدأ بشكل هادئ حين يدخل الكاتب نبيل إلى المصحة النفسية بدافع الفضول الأدبي مجرد رغبة في البحث عن إلهام لروايته الجديدة لكن سرعان ما يتحول هذا الفضول إلى لعنة لا مفر منها
المصحة هنا ليست مكانًا للعلاج بقدر ما هي متاهة للظلال والأرواح المنكسرة فبين أروقتها تتجلى ثلاث حكايات ثلاث عهود ملعونة تربط بين شخصيات مختلفة ظاهريًا لكنها تسير نحو مصير واحد مظلم وكأن الشر نفسه يعيد نسج الخيوط عبر الأزمان
كل عهد يكشف طبقة جديدة من الرعب رعب نفسي، وأساطير غامضة وطقوس محظورة تتحدى المنطق ما يميز الرواية أن الرعب فيها ليس خارقًا بالكامل بل هو انعكاس لهواجس البشر لخطاياهم القديمة وللصفقات التي أبرموها في لحظات الضعف واليأس
“الحقيقة أكثر رعبًا من الخيال” — الجملة دي بتلخّص جوهر الرواية :- إن الجنون أحيانًا مش مرض بل باب مفتوح لعوالم أعمق مما نتصور
الكاتب استخدم أسلوب سرد متدرج يعتمد على التشويق البطيء وده بيخلي القارئ يغوص تدريجيًا في جو المصحة الحوار بين نبيل وصلاح بيحمل نغمة فلسفية كأنه صراع بين من يرى الجنون كمرض، ومن يراه كطريق إلى الحقيقة
تتنقل الأحداث ببراعة بين أزمنة وأماكن مختلفة من مصحة محاصرة بالأسرار إلى سرداب غامض في الصحراء ومع كل فصل تتصاعد وتيرة التوتر حتى تصل إلى نقطة اللاعودة حيث تتقاطع العوالم البشرية بالغيبيات في مشهد نهائي يتركك بين الصدمة والدهشة
اللغة جاءت قوية ومليئة بالصور الحسية ترسم المشهد كأنك تشاهده على شاشة سينما. الكاتب يجيد اللعب بالإيحاء أكثر من الوصف المباشر مما يخلق حالة من التوتر المستمر
الرواية مش بس عن الرعب، لكنها عن “الهلاك” بمعناه النفسي عن تلك اللحظة التي يختار فيها الإنسان أن يبرم عهدًا مع الظلام مقابل الأمان ليكتشف أن الثمن كان روحه نفسها
في النهاية عهود الهلاك عمل رعب ناضج فكريًا قبل أن يكون دمويًا أو صاخبًا
رواية عن اللعنة التي تبدأ بفضول وتنتهي بالهلاك
اعتمد الكاتب في عهود الهلاك على أسلوب لغوي يجمع بين الفصحى السلسة والعمق النفسي، مما جعل السرد واضحًا ومفهومًا رغم غموض الأحداث اللغة مش مجرد وسيلة حكي لكنها أداة لخلق التوتر والرهبة فيها جُمل قصيرة حادة وقت الرعب ووصف بطيء ومفصل وقت الغموض وده حافظ على الإيقاع المتزن للعمل.د
الكاتب برع في استخدام تقنية الفلاش باك لكشف خلفيات الشخصيات والعُهود السابقة فكان التنقل بين الماضي والحاضر طبيعي وسلس بدون ما يربك القارئ
كمان قدر يوظف الحوار بشكل ذكي يخدم الحالة النفسية لكل شخصية خصوصًا في حوارات نبيل داخل المصحة اللي كانت مليانة تساؤلات فلسفية عن الجنون والحقيقة والشر
يُحسب له أيضًا أنه حافظ على غموض متصاعد لحد النهاية، من غير ما يقع في فخ التكرار أو المبالغة في التفاصيل فالرعب هنا بيجي من الفكرة نفسها مش من المشهد.
تقدر تقول إن أسلوبه أقرب للرعب العقلي اللي يخليك تفكر أكتر ما يخوفك وده نوع نادر في الأدب العربي
#أبجد
#عهود_الهلاك
#محمود_الجعيدي
Abjjad | أبجد


















