اقتباسات من رواية لصوص متقاعدون

لا أعدم فرصة الشعور بالمهابة بتفاخري الدائم بقبيلتي البدوية الأصلية التي اضطرت الحكومة لمهادنتها.

نصفين، نصف يبيعه ويشتري حصانا يتباهى بأصالته، وبندقية يرهب بها الناس، والآخر لا يخجل من زراعته، وربما هذا مصدر مهارتي في مهادنة الجميع، فأنا بين أعدائنا الفلاحي

كما أراد محمد علي، ولكنهم ظلوا أوفياء لاحتقار زراعتها، والفرح بمقايضتها بأي شيء، ولم يكفوا عن الترحال، فقط ضيقوا مساحة ترحالهم على مقاس حدودها.

طليعة أبناء البدو الذين لم يخجلوا من زراعة بقايا أرضهم… أراضينا الشاسعة التي أهداها محمد علي باشا لأجدادنا ضمن قائمة امتيازات العرب مثل مَن يهدي شاة مذبوحة لعدد من الرجال الجوعى في صحراء قاحلة دون أن يعلمهم مهارة سلخ جلدها،

التسعة الذين تباينت أحجامهم، لا بد أنني تجولت بسهولة ويسر وربما بتثاؤب.. غير أن المسألة لا تخلو من بعض التأوهات، فنحن في أحرّ شهور السنة والمولود ذكر لأسرة تنتقل على مهل من البداوة للفلاحة.

أثناء تبادل الركلات معها لاحظ أن ثدييها بدون مشدات، فوجد الفرصة سانحة لضرب عصفورين بحجر واحد: تنتصر العائلة، ويدافع عن رجولته المهدرة، فقبض بقوة على ثدييها ولم يتركهما إلا بعد أن أعلنت الاستسلام ووافقت على ترك البيت.

كل يوم يأتي بحكاية تلخص وضعا جديدا لا أعرف عنه شيئا بطبيعة خبرتي المنعدمة في هذا الموضوع، ومع تدافع حكاياته وتنوعها لاحظت أنه هو نفسه كان يستمتع حين يحكي.. يستمتع استمتاع مَن لم يمارس الجنس قط.

تستحق تمامًا وصف سانشو لمحبوبة الفارس الشجاع في رواية «دون كيخوته». فرغم جهودها المضنية والمتواصلة في التأنق؛ إلا إن النتيجة دائما لم تكن سوى خليط عجيب من الأزياء الغربية والشرقية والإفريقية يرتبك داخلها جسد في ضآلة الفأر الجائع.

كان الفعل شخصيًّا جدا كلما كان صادقا. ما أصدق الجائع حين يفكر في الأكل! وما أصدق الجسد المتسخ حين يسعى إلى صابونة مُعطرة، وما أعذب فرحة الكَيِّيف حين ينجح في توليف صنف جديد وقوي يقيه من متاهة التفكير في احتمال

يحة. كيف ينظر في وجوه الناس؟

‫ جمال وعبد الحليم يتفقان في شيء واحد هو التخلص من سيف. ولسبب مشترك هو أنه جعل سُمعة العائلة في الوحل، منشية ناصر كلها عرفت أنه مُخنث.. الأفضل «خول».

فكيف لا يُبلغ هو عن جنون ابنه؟! إن تلك فضيحة كيف ينظر في وجوه الناس؟ ‫ جمال وعبد الحليم يتفقان في شيء واحد هو التخلص من سيف ولسبب مشترك هو أنه جعل سُمعة العائلة في الوحل، منشية ناصر كلها عرفت

والمشروع الآخر يستدعي ـ لكسر النحس ـ السفر.

‫ «إلى أين؟!».

‫ «الإسماعيلية».

‫ باع أبي أرضه وسحب أمي واتجه إلى الإسماعيلية.

فكما يقول دائما: «التجارة مغامرة، قد تؤدي إلى المكسب، وقد تؤدي إلى الخسارة؛ وهذا سر جمالها» أبي كان دائمًا يجد بديهيات واقعية لتبرير خيالاته، فطالما خسر في مشروع الدكان، فليجرب حظه في مشروع آخر، والمشروع الآخر يستدعي ـ لكسر النحس

بالتأكد مؤمنون، مؤمنون بالفطرة. فحياة الصحراء دائمًا تهددها أشياء غامضة، غموض اختفاء فم البئر، أو غياب المطر، أو التيه، أو قسوة لدغة الأفعى… أشياء لا بد أمامها من التحصن بالإيمان بأشياء أخرى لا تقل غموضًا،

أن سيرته تأتي على ألسنة أبناء قبيلتنا مُعطرة بالتبجيل والاحترام وربما القداسة، حتى إن أمي أحيانًا تنسى موضوع يده، وترتخي ملامح وجهها حين تقول بتهدج: كان طيبًا!!

يمتلك شجاعة سيف في إشعال النار، بل مات ميتة عادية، وربما مخجلة كانت نتيجة طبيعية لإفراطه في تدخين نوع من الحشيش المضروب.. إلا أن سيرته تأتي على ألسنة أبناء قبيلتنا مُعطرة بالتبجيل والاحتر

‫ ربما لو مات سيف فعلًا لكان أنقذ نفسه من النسيان، مثل جذوة النار التي تنقذ البدوي من التيه في الصحراء، وربما حكيت سيرته بطريقة تتمتع بذلك النوع من المهابة والتبجي

سهلة للخلاص من خطر ما، الموت هو غاية كل خطر، وهو في نفس الوقت الوسيلة المثلى للتصالح مع الأخطار.. أن تدهمك سيارة مثلًا أو رصاصة طائشة أو مخدر قوي.. فهذا أريح كثيرًا من الارتجاف أمام

سكنت في تلك المنطقة وأنا أحافظ على نوع من حُسن السير والسلوك والطيبة، وربما الزهد والبلاهة، أستعين به على خوفي من جيراني في البيت، فالإنسان الممعن في البلاهة هو الذي يطمئن إليه الجميع، ويضعونه بحرص شديد خارج دائرة صراعهم.

جمهور قاسٍ، جمهور متحفز ضد كل ما لا يتوقعه. فلو أن كهلًا تمرد على تمثيل دور الوقار والحكمة وتصابى قليلا احتقرناه وسخرنا منه، ولو أن أطفالنا خاصموا البراءة والسذاجة وتخابثوا بعض الوقت استربنا فيهم، ولو أن شابًّا دفعته مواهبه لتأد