اقتباسات من كتاب الجريمة العثمانية: الوقائع الصادمة لأربعة قرون من الاحتلال

ثمة تحدٍّ أحرص كل فترة على إعلانه للمدافعين عن الدولة العثمانية ومن يصفونها بـ«الحضارة العثمانية»، أقول لهم فيه: هاتوا لي قائمة بعشر شخصيات بارزة ظهرت في المنطقة العربية الإسلامية وأضافت للحضارة الإسلامية في مجالات متنوعة في الفترة بين ١٥١٧م و١٨٠٥م،

وبعد أن كانت مصر ـ والعرب ـ تسخر من «الفرنجة» وممارساتهم من دجل وشعوذة لعلاج الأمراض، جاء يوم ذُهِلَ فيه هؤلاء الفرنجة عندما جاؤوا مع المحتل الفرنسي في حملة نابليون من فرط انتشار الخرافات والشعوذة

وهكذا استطاع المماليك خلال ٢٦٧ عامًا هي عمر دولتهم (١٢٥٠م ـ ١٥١٧م) أن يقرّوا «السِّلم الأهلي» في البلاد، وأن يحققوا التوازن بين احترام التميز الاجتماعي لكل فئة من ناحيةٍ، واحترام القانون والسلطة من ناحيةٍ أخرى.

فلما احتل العثمانيون مصر ألغوا هذا النظام وفرضوا مذهبهم الحنفي على مصر التي يمثل الأحناف فيها أقلية بين المسلمين مقابل أكثرية شافعية

السؤال التالي هو: وماذا لو لم تكفِ موارد مصر لتفي بالمتطلبات العثمانية سالفة الذكر، فضلًا عن الخزينة الإرسالية؟ الإجابة المفزعة هي: لا مجال لهذه الفرضية، فليزد الوالي الضرائب، أو ليبتكر ضرائب جديدة،

والحقيقة أن حلب آنذاك كانت تحت حكم الأمير المملوكي «خاير بك» الذي كان بالفعل قد تورط في خيانة التخابر مع العثمانيين والتودد لسليم بالتلميح لأنه رهن أوامره، فمن السهل إذن أن نستنتج مَن الذي كان وراء اقتراح الفقيه المذكور مراسلة

حتى قام محمد الثالث بعد قتله إخوته التسعة عشر بإلغاء نظام تعيين الأمراء ولاة وأسس لنظام «القفص» ـ وهو جناح أميري في الحرملك ـ حيث يُحبَس الأمراء ويُعزَلون

أما مراد الثالث، ففور توليه السلطنة أمر بقتل إخوته الخمسة، بينما حقق محمد الثالث رقمًا صادمًا بقتله ١٩ من إخوته فأمر بخنقهم، حتى قبل دفن أبيه.

فسليمان القانوني قد قتل ابنين له، هما: مصطفى وبايزيد؛ لارتيابه فيهما نتيجة دسائس بعض الحريم السلطاني،

مغولي؛ حيث كانوا يؤمنون بأن آلهة السماء تستاء من إراقة الدم الملكي، فكانوا يحرصون على قتل أبناء الدم الملكي بغير إسالة دمائهم!

جدير بالذِّكر أن القتل كان يتم خنقًا بوتر قوس، وهو موروث تركي

بالنسبة للعثماني فإن السلطان/ البادِشاه هو «ظل الله على الأرض»، هو الدولة، والدولة هو. وحيازة السلطنة ـ سلميًّا أو بالاستيلاء ـ هي «حكم إلهي عادل»، أي أنهم قد آمنوا بالفكرة الأوروبية القرونوسطية الرجعية بـ«الحق الإلهي في الحكم» (أحيل القارئ في

بل قيل إن محمدًا الفاتح نفسه حين تولى السلطنة قد أمر بخنق أخ له رضيع، وهي واقعة صحتها محل جدل، وإن كان محمد فريد بك ـ المعروف بانتمائه العثماني ـ قد ذكرها في كتابه «تاريخ الدولة العلية العثمانية».

«يُمكِن لأيٍّ من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلَّص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقره غالبية العلماء» ‫هكذا نَصَّ «قانون نامه» محمد الفاتح، القانون الذي وضعه لتسيير نظام الدولة من بعده. ومن هنا كانت بداية «مذبحة الإخوة

وبالفعل كان بعض البيزنطيين يفرون من أسوار المدينة إلى معسكرات العثمانيين ليطلبوا وجبة طعام.

على أيدي الأوروبيين الكاثوليك الذين غيَّروا مسار حملتهم الصليبية الرابعة ليغزوا القسطنطينية ويسقطوا حكمها ويقيموا أسرة لاتينية كاثوليكية بعد أن أشبعوا المدينة نهبًا وتدميرًا سنة ١٢٠٤م قبل أن يسترد البيزنطيون سيادتهم عليها سنة ١٢٦١م. أي أن اقتحام المدينة والسيطرة عليها

وفي العصر المملوكي بلغت الحضارة الإسلامية واحدة من أعلى درجات التحضر والقوة، وبرزت أسماء في مجالات الثقافة والعلوم كابن النفيس في الطب، والمقريزي في التاريخ، وابن كثير والسيوطي في الفقه والحديث وابن بيليك في المعمار… وغيرهم

(الشامانية هي ديانة تقوم على تقديس قوى الطبيعة وأرواح الأسلاف، والمانوية ديانة تقوم على وجود صراع بين عالمي النور والظلام).

وكمشتغِلٍ بمجال التاريخ ومُتفاعِلٍ مع جمهور المهتمين بالتاريخ الإسلامي بالذات أستطيع أن أقول بكل ثقة: إن ثمة نشاطًا واضحًا لما يمكنني وصفه بـ«عثمنة التاريخ الإسلامي عند المتلقي العربي»،

‫بل اختُلِفَ على انطباق أحاديث فتح القسطنطينية على واقعة فتح العثمانيين لها سنة ١٤٥٣م، فقال بعض المفسرين وأهل الفقه والتاريخ ـ كالحافظ ابن كثير في كتابه «النهاية في الفتن والملاحم»