ممتازة
من أجمل ما قرأت
حمور زيادة صاحب بصمة لا يحملها اي كاتب غيره
ماذا كان رأي القرّاء برواية الغرق: حكايات القهر والونس؟ اقرأ مراجعات الرواية أو أضف مراجعتك الخاصة.
الغرق – حكايات القهر والونس
حمور زيادة
من اصدار دار العين
عدد 266 صفحة
الكتاب رقم 50 من الغام 2025
تطبيق ابجد للكتب
"" نحن وحيدتان ليس لنا أحد لا تغرَّنك الهياكل والعمائم الكلمات الحنونة، ودعاء "خالي" نحن وحيدتان ليس لنا أهل ولا مال ولا احترام كل اللائي يعانقنني يضمرن لي احتقارًا ليست الرضية وحدها من تحتقرنا نحن المتناسلون من اللامكان في قرية تتفاخر بالأنساب لا يحترمنا أحد إلا بمقدار ما يحتاجون إلينا وما نُظهر لهم من أدب وطاعة أنتِ لستِ بنت البدري، ولا من بيت الناير، ولا أبوك صاحب أطيان أنتِ بنت فايت ندو ليس لك غيري وليس لي غيرك لماذا تظنين خالك عبد التام فرَّ من هذه القرية؟ لقد نجا بنفسه لم نعد رقيقًا، لكن مهما فعل فسيظل عبد التام""
الله يسامح جدنا. هو الذي أوصانا ألا نعمل.""
لا يعرف أحد، ربما حتى الغجر أنفسهم، من هو هذا الجد. لكنه جوابهم الدائم لرفضهم الخدمة والعمل. يتحجَّجون بجدٍّ قديم أوصاهم ألا يعملوا أبدًا، وألا يسكنوا مكانًا واحدًا. الوصيتان هما ميراث الغجر الوحيد. لذلك يتنقلون ويتسولون. وعلى غفلة من الأهالي يسرقون. ليسوا لصوصًا، لكنهم كالطير؛ لا يؤمن بملكية المزارع للثمرة الناضجة. ما وجدوه أخذوه. وما تمنَّوه تسولوه. ثم يحملون أشلاء حاجياتهم ويرتحلون.""
حمور زيادة كاتب ومفكر سوداني له مجموعة من المؤلفات أهمها شوق الدراويش والغرق وصدر له 2025 رواية حادثة عيش السرايا يقيم حاليا في مصر
قرية "حجر نارتي" هي قرية خيالية سودانية تقع على ضفاف نهر النيل شمال السودان، وهي المكان الرئيسي لأحداث رواية الغرق للكاتب السوداني حمور زيادة وتتناول الرواية صراعات مجتمعية وقضايا اجتماعية وتاريخية في تلك القرية من فترة الثلاثينيات إلى السبعينيات، وتكشف عن حياة أهلها والتحديات التي واجهوها.
صفحة الغلاف: على صفحة الغلاف صورة سيدة سودانية لها شلوخ على وجهها (والشلوخ هو عادة قبلية قديمة كان الجيل القديم يفعلها حيث تعد رمزا للجمال لجمال والزينة، الانتماء القبلي والتعريف بالهوية، الدلالات الاجتماعية المرتبطة بالنضج والزواج، معتقدات علاجية (كالحماية من الأمراض)، وأسباب دينية (مثل الانتماء لطرق صوفية معينة)، وكانت علامة بارزة للرجولة والأنوثة قبل أن تتراجع تدريجياً مع التطور ومخاوف صحية.
حول قرية "حجر نارتي" السودانية حيث تطفو فتاة مجهولة الجثة على النيل، وتكشف الرواية قصص سكانها، خاصة النساء، وكيف يتعرضون للقهر من المجتمع، السياسة، والعادات، حيث يتوازى مصير الأفراد مع مصير الوطن، وتظهر معاناة شخصيات مثل "فايت ندو" وابنتها، ومحمد سعيد، والرشيد، لتكشف عن دائرة القهر التي يجد فيها الناس أنفسهم مضطرين لتقبل مصائرهم تحت وطأة الظلم، وتكون حوادث الغرق المتكررة رمزاً لرفضهن اليائس لهذا الواقع أو نهايته المحتمة.
الأحداث الرئيسية:
بداية مأساوية: تبدأ الرواية بالعثور على جثة فتاة غارقة على ضفاف النيل في قرية حجر نارتي، لتصبح نقطة انطلاق لسرد حكايات القرية.
· محور المرأة: تتمحور الأحداث حول النساء، حيث تظهر شخصيات مثل "فايت ندو" وابنتها "عبير"، وكيف يواجهن مصيراً صعباً يفرضه المجتمع، ويتقاطع مصيرهن مع مصير أمهاتهن.
· صراع الأفراد: تتابع الرواية قصص رجال ونساء يعانون القهر، مثل محمد سعيد الذي يُجبر على ترك أحلامه، والرشيد الذي يُجبر على الزواج، وكلهم يمثلون جزءاً من نسيج القهر العام.
· الرمزية والواقعية: يستخدم الكاتب التاريخ والواقع السوداني (تحديداً فترة ما بعد ثورة 1969) ليخلق عالماً أسطورياً يحاكي الواقع، حيث تتداخل الحكايات الشخصية مع حكايات الوطن.
· نهاية مفتوحة: الغرق هنا ليس مجرد حدث، بل هو رمز ومصير يتكرر، يعكس وصول الشخصيات إلى حافة الانهيار، ويكون خياراً أو نهاية حتمية في مواجهة القهر المجتمعي.
· الرموز الأساسية هي الفهر الاجتماعي والتفكك وهوية الوطن او الهوية الاجتماعية.
باختصار، "الغرق" هي رواية سودانية تستخدم حدث الغرق كنقطة انطلاق لتصوير حياة القرية السودانية، وكيف أن أفرادها، وخاصة النساء، يغرقون في دوامة من القهر والظلم، ويجدون في الموت أو اليأس ملاذاً أخير بين والقهر ومصير الإنسان في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد.
الغرق رواية سودانية تنقل أحداثاً لمكان قد يمثل معظم الأمكنة في السودان. يختار الكاتب قرية "حجر نارتي" لتكون حاملةً للشعلة. تقاليد بالية تحكم هذا المجتمع فتؤثر فيه سلباً، تأثير تقع المرأة أولى ضحاياه حيث تسلط عليها سياط المجتمع الذكوري، وإن قضت تحتها فلا أحد يكترث لأمرها، هكذا افتتح الكاتب روايته سارداً أحداث العثور على جثة فتاة مجهولة الهوية تطفو على سطح مياه النيل، دون أن يتعرف أحد على صاحبتها. تبدأ رحلة البحث عن صاحبة الجثة، رحلة كان الفشل ينتظرها في نهاية النفق. لم تكن هذه الجثة إلا نموذجاً عن المرأة الميتة ولا يهم نوع الميتة التي تموت فيها، وبدا هذا على كثير من الشخصيات والأسماء لكن المرأة تظل هي الوحيدة في محور الأحداث، وتعتبر " فايت ندو " أشهر تلك النساء وهي صاحبة العريش التي تقدم الشاي والقهوة. إنها امرأة أربعينية ولدت لأمَةٍ وكذلك ابنتها "عبير" ولدت خارج إطار الزواج. وكانت تحلم وتتطلع أن يكون لابنتها مستقبل أفضل، لكن المجتمع الظالم رمى بها إلى نفس مصيراها لتصبح أماً وهي في الثالثة عشرة من عمرها. لم يكن ظلم المجتمع منصباً على المرأة فحسب، بل كان للرجل نصيب مؤلم منه، وتقدم الرواية عدداً من هذه القصص أبرزها قصة محمد سعيد ابن العمدة الذي يجبره أهله على العودة إلى "حجر نارتي" لأخذ مكان والده الراحل ويترك الدراسة في الجامعة، فيتغير مصيره وتتبدد أحلامه في أن يصبح "أفندي". ومثله شقيقه الأصغر " الرشيد " الذي يجد نفسه بين يوم وليلة مضطراً للزواج من نور الشام أرملة شقيقه بشير التي تكبره بعدة أعوام وذلك للحفاظ على الميراث. هذه الأحداث تفتح الأبواب أمام تساؤلات عدة لا إجابة شافية عنها، حول ما يرغب المرء وحول العوائق التي يفرضها واقعه والتي تحول بينه وبين أمنياته ومصيره المرتبط بها
كثيراً ما كان عنوان الرواية هو الإشكالية التي تعالجها الرواية. وقد يختصر هذا العنوان ما يريد الروائي أن يوصله إلى القارئ، ولا شك أن الكلمتين اللتين وردتا بعد كلمة "الغرق" عنوان الرواية هما القصد الذي في هذا العمل. ثم إن من يتقن اللغة جيداً ومن يعرف بلاغتها فإنه يستعمل البلاغة في أدق تفاصيلها، ومن يعرف الصور البلاغية يعلم أن استعمال المتضادين يعني كل ما بينهما من أشياء، فعندما نقول العلم والجهل يعني وكل مستوياتهما، وعندما نقول من الألف إلى الياء نقصد كل الحروف.. وهكذا. ونحن هنا نقرأ في العنوان كلمتَي "القهر والونس" اللتين سبقتهما كلمة " حكايات ". إن التضاد بين القهر والونس يضم ما بينهما من مشاعر يحيياها الإنسان، والتي أثارها الكاتب، ونقلها حكايات على ألسنة شخصياته كلها النسائية والرجالية.
أم"الغرق" فهو العنوان الرئيسي الذي يختصر المجتمع كاملاً، وهذا تضاد بليغ جداً إذ إن حمور زيادة عنون روايته "الغرق" لكنه ترك الجثة في البداية والنهاية تطفو على وجه النهر لا أن تغرق، وفي هذا التضاد مغزى كبير جداً.
لقد عالج الروائي حمور زيادة التقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمع السوداني وتتحكم فيه إلى أبعد درجة، معالجة دقيقة قريبة من الواقع جداً، بل إننا نشعر أنه واحد من شخصيات الرواية عاشها بالتفاصيل الصغيرة، فإن لم يعشها هو يكون أكثر صدقاً في نقلها للقارئ.
تعالج الرواية مشكلات اجتماعية في ذاك المجتمع ولكن يمكننا أن نختصرها في ثلاثة أشياء، وهي:
حياة القرية التي دارت فيها الأحداث، وجعلنا نعيش الأماكن التي وردت في الرواية ونعيش حالات الفقر التي يئن الإنسان تحت وطأتها، ولاسيما المرأة التي كانت العنصر الأهم في الرواية بكل أعمارها وأفعالها وأخلاقها.
الوضع الاجتماعي والسياسي بين سيطرة الإسلاميون والشيوعيون ومحاولات الحكم من العائلات والاختيارات فالترة الزمنية بعد ثورة 1969 وما حصل من احداث بعدها
منذ البداية تظهر المرأة في الرواية لأن الرواية تبدأ من منظر جثة فتاة تطفو على سطح مياه نهر النيل، فهل كان هذا المنظر مقصوداً ليشير فيه الكاتب إلى موت المرأة في المجتمع القبلي الذي يتحكم فيه الرجل بلا رادع أخلاقي فيكون قتل الجسد أسهل من قتل الروح؟ هل هذا ما أراد أن يوصله الكاتب إلى القارئ وهو الذي أنهى الرواية بالمنظر نفسه؟
لقد قصد الكاتب إلى هذا الأمر أن المرأة جسد يمكن في أي لحظة أن يموت ويرمى.
فالمرأة في المجتمعات الرجعية تعيش حالة من البؤس والجبن مع دفع الثمن فعبير في الرواية لم يكن لها ذنب في كل ما حصل الا محاولات التعلم ورفض المجتمع.
هنا الأسئلة المشروعة التي تحثنا على التفكير، فيأتينا الجواب من أحداث الرواية المؤلمة، هل هو العقاب الذي يجب أن تناله المرأة؟ ولماذا العقاب؟ هل هو عقاب أخلاقي على فعلة فعلتها لم تكن هي السبب الوحيد فيها؟
وهل كانت صاحبة هذه الجثة لترفض عادات ذاك المجتمع؟ لا أظن.. إن في طفو جثة المرأة استهتار بالأخلاق، ولن تستطيع هذه العملية أن تمنع المرأة من قبول أي رجل.
من يقرأ الرواية يظن أن كل رجل في الرواية كان ذكراً لا رجلاً، كانت الأنثى مبتغاه ولا يهمه أن تكون عجوزاً أو امرأة أو كانت طفلة.. المهم أن تلبي له رغبته الجنسية التي فضحتها أحداث الرواية، ولا يهم الرجل أن تكون الأنثى بغية أو أمة أي لا أصل لأسرتها ولا حسب ولا نسب.. وهذا أسوأ ما يعاني منه المجتمع في الرواية بل معظم المجتمعات العربية التي لا يزال جزء منها تمارس الجنس وتلد خارج نظام الأسرة، والأسوأ ان تعرف الأم بمصير ابنتها الطفلة التي رمتها في حضن رجل كبير السن..
إن الرجولة المقابلة لهذه الذكورة هي أن الكل يريد أن يكون العمدة أن يكون الزعيم أن يكون رجل القبيلة وعلى الجميع أن يأتمروا بأمره..
لقد ناقشت الرواية مسألة النظام العسكري في السودان الذي استمر ستة عشر عاماً، وحروب المحتلين الأجانب على أرضه وانقسام الناس بين دولتين تتحاربان على أرضهم.. وهذا أسوأ ما يصل إليه الإنسان.. أن يساند محتلاً ضد محتل...!
باختصار.. فإن الرواية صورة ناطقة صحيحة عن السودان في فترة عانى فيها الناس ما عانوه من ظلم وقهر مقابل البحث عن الونش والسعادة التي كانت المرأة تبحث عنهما فلم تجده إلا بالحرام.
والغرق.. غرق المجتمع الباحث عن نوافذ الفرح والأمل عسى أن يحصل عليه.
ملاحظات:
الوضع العام في السودان لم يتغير صحيح اختفت بعض العادات لكن الحروب تفعل ما تفعل والدعم السريع الان يعيد الكرة في السودان مثل بداية القصة 1969 للأسف قسم السودان لشمال وجنوب والناس هي من دفعت الثمن
الشعوب بعد الحروب تصبح متوحشة وغوغائية ويسود فيها نظام الغاب
رواية الغرق لحمور زيادة تحقق المعادلة الصعبة في الجمع بين متعة القصة بأخبارها ودراميتها وشعرية الأسلوب باللغة النامية كأشجار وحشائش ترعى فيها الصورة واستراتيجية السرد التي تطرح الأفكار العميقة الغارقة في قلب الحكايات والمواقف وعلاقات التناص المتفاعل مع الميراث الإبداعي للفن الروائي بخاصة السوداني
حمور زيادة.. الموهبة الإستثنائية، مش كاتب أوفرريتد، لأنه ببساطة خارج حسابات سوق الأدب، انصح بقراءة أدبه لأى حد يحب الكتابة اللى بتخرج من الروح وقلب الكاتب على أساس موهبة ربنا منحها ليه فعليا مش محتاج معاها لأى تكلف وافتعال كتابة تريندى بلغة السوق.
ضحك الجالسون حتى اضطرب موج النيل.
الحكايات ذاتها يطعمونها بعضهم بعضا. يهيمون بالونس.
تبدأ القصة بجثة غريقة مجهولة تظهر في النيل و لكنها ليست أول و لا أخر غريقة فقد ابتلع النيل الكثير.
في العام الذي تزوج فيه البشير سكينة بنت البدري. غرقت سعاد.
كان الكل يعلم مصيره. فأنت ثم بين غريق في النيل و غريق على البر لم يحن دوره.
كانت تعلم مكانها في حجر نارتي. كانت تخادع نفسها و القرية في انتظار لحظة النجاة. حين تصبح أم الطبيبة. لأربعة عشر عاما كانت تحلم باليوم الذي تفر فيه من القرية و لا تعود. عاهدت نفسها على أن تبصق على بحر النيل و تصرخ فيه: نجوت منك. نجوت من الغرق.
أمهات الصبايا تقاسموا البطولة مع النيل و لكنهن احتفظن بالأوجاع لهن وحدهن.
ما زالت فاطمة أم الصبية تظهر. تنتظر جثة سعاد.
عن القهر الذي نأمل أن يفارقنا و عن الونس الذي نبحث عنه رغم وجوده داخلنا.
و ككل الحكايات. و كعادة الحكايات. لم يكن من المهم أن تكون حقيقية. المهم أن تكون ممتعة. و قد كانت.
| السابق | 1 | التالي |