تَعد رواية "نبوءة السقا" للكاتب السوداني "حامد الناظر" بالعديد من الأشياء وليس فقط لوصولها إلى القائمة الطويلة للبوكر العربية لعام 2016، ولكن لخلفية الكاتب السوداني، الذي يحكي حكاية تشعر أنها خُرافية ولكنها شديدة الواقعية والرمزية، عن قرية "عجايب" بإرتريا، واحتلال اثيوبيا لها وتلك الحرب المُستمرة بينهم وطالت حتى أكثر من خمسون عاماً من القتل والمعارك والتعهدات والمعهدات، حتى عام 2018 والاستقرار على رسم حدود كلاً منهما دون التعدي على الآخر.
ولكن هذه ليست حكاية تاريخية، ككتب التاريخ الجامدة، لكنها حكاية من روح ودماً وشخصيات، رُبما شعرت أن الشخصيات تُمثل رمزيات لأحداث وشخصيات حقيقية، لو كنت مُتابعاً للشأن الارتري الاثيوبي فأعتقد أنك ستلتقطهم، ولكن لو جردت الشخصيات من رمزياتها لاستمتعت أيضاً بالرواية، فهي حكاية تحمل مآسأة درامية حزينة، وكيف تعصف السياسة بالبشر، وقد يُقتل العديدين من أجل أهدافاً وغايات وألعاب سياسية، صراع الأوتاد والأحفاد يُمكن أن يُحل بسهولة، بقليل من التضحيات هنا وهناك، ولكن ستجد من يُزيد الصراع ناراً، ويجعل الشقاق جحيم مُستعر، هذه هي السياسة، وكم كان فرج السقا خير مُمثل لها، من أين يأتي السياسيون؟ رُبما تجاوبك هذه الحكاية بسخرية عن منبعهم، مجهول الأصل، ولكن اسعتدادهم الدائم على التأقلم من أجل منصب وعقد الصفقات مع الشيطان نفسه من أجل مصلحتهم ومنفعتهم.
ختاماً..
رواية تحمل لوناً افريقياً، وحكايات من قلب التاريخ المنسي، وتُذكرنا بأن كل الأحداث السياسية التي نمر بها حالياً قد حدثت في زمن ولى، وأن السياسيين من فصيلة واحدة مهما اختلف الزمان والمكان. الرواية ليست خالية من السلبيات، فكانت الرواية على قصرها النسبي، مُملة في بعض الأحيان، وشديدة التشويق في أحيان أخرى، افتعال الصدف مرة أو اثنين مما ساعد على تقدم الأحداث، ولكن رغم ذلك لا أستطيع أن أنكر أن السرد كان سلس للغاية، حتى في الوصف العادي للأماكن والمشاعر.
تجربة لطيفة ومختلفة، وسأقرأ للكاتب مرة أخرى بكل تأكيد.