ابتسامه كبيره ارتسمت على وجهي أثناء القراءة عندما أدركت موقع القرية التي تخيلها سليمان فياض في الرواية. قرية صغيرة على النيل بمحافظة دمياط بالقرب من قرية العادلية التي تتبع مركز فارسكور الآن. مرت فقرة الذكريات أمامي بسرعة البرق و التي تلخصت في مشهدين اقتربا كثيرا من جوهر الرواية ألا و هو نظرتنا للآخر. قبل أن أصدعكم بذكرياتي أنوه إلى أنني دمياطي أبا عن جد و ان كنت غادرت طفلا صغيرا إلا أنني أفخر دائما بأصلي و أنتقده في نفس الوقت بلا أي حرج.
الموقف الأول و أنا في المرحلة الثانوية و في زيارة لجدي و أرسلني لشراء شيء من قرية قريبة على الضفة الأخرى من النهر و كان علي أن أركب القارب و أجدف به للناحية الأخرى. ركبت و ركبت مجموعة من النساء و أنا الذكر الوحيد فقالت احداهن هيا يا بني جدف بنا للناحية الأخرى فقلت لها لا أعرف كيف أجدف فقالت: و ماذا في التجديف انه شيء سهل. لولا الملامة لجدفت أنا. حاولت التجديف فكانت المياه ثقيلة جدا و المجداف صعب التحكم فيه و لم تتحرك المركب. نظرت النساء لي بإشفاق و سخرية و راحت الهمسات تتصاعد انني غريب عن البلدة و تناثرت بعض الكلمات عن لوني الأبيض و بشرتي الناعمة و ملابسي المختلفة. أخيرا جاء شاب من القرية ليركب معنا و ينقذني من الإحراج فسأل النسوة : ماذا تنتظرن؟ فأجابت احداهن: كنا مستنيين راجل.
😂😂😂😂😂😂😂�
الموقف الثاني كان بعدها بعدة سنوات و قد أرسلت مجموعة العمل الخاصة بالشركة للبدء في تأسيس مكتب إدارة مشروع جسر علوي على النيل في منطقة العادلية و أخبرتهم أنهم ذاهبون إلى بلدتي و مسقط رأسي و ليتصرفوا و كأنهم في بيتهم. ذهبت إليهم بعد فترة فهرول أحدهم نحوي: إلحقنا يا باشمهندس. فقلت: ماذا حدث. فقال: يعاملوننا هنا كسائحين من بلاد الفرنجة. ذهبنا لشراء الخبز فإذا بصاحب المخبز ينادي زوجته و يقول: يا أم محمااااد هو احنا بنبيع العيش لبتوع الكوبري بكام؟
😂😂😂😂😂😂😂�
النوفيلا هنا عن رؤيتنا للأخر سواء حامد و رؤيته للأوروبيين أو رؤيته لأهل بلده بعد عودته و رؤية أهل البلد له و لزوجته الفرنسية و تعاملهم معهم كل حسب موقعه و أطماعه و طموحه. تعددت الأصوات في الرواية فاكتملت الصورة البديعة و الرؤية الشاملة التي رسمت المأساة في نهاية القصة و كشفت تناقض مجتمع جاهل دون أن يدري و تلك هي المصيبة.
انظر لتلك الفقرة البديعة التي تصور رؤية عدة اطراف لمشهد واحد و ستدرك عبقرية فياض في رسم مشاهد القصة:
و توقف أحمد عند صور المطعم و الفنادق طويلا. بينما توقفت زينب محدقة في صور الباريسيات اللاتي يظهرن في خلفية الصور. أما الحماة فقد احتفظت طويلا بصور حفيديها: البنت و الإبن. بل راحت تطري وسامتهما و جمالهما