أحب أن أنوه إلى أن هذا الكتاب قد تم إصدار الطبعة الأولى منه في عام 1962.. أي قبل أن يولد معظمنا بسنوات طويلة...
ولذلك فإن ما يتحدث عنه أنيس منصور حدث في منتصف القرن الماضي .. قبل ظهور التكنولوجيا وقبل انتشار حتى بعض المظاهر الحضارية التي قد نعدها في أيامنا هذه من التراث...
أنيس منصور كاتب معروف وغني عن التعريف والتقديم....وإذا قرأت الطبعة الثالثة والعشرين التي قرأتها أنا فستجد أن أول خمسين صفحة منه هي عبارة عن مقدمات للكتاب.. مقدمة الطبعة الثالثة والعشرين.. ثم مقدمة الطبعة التاسعة بقلم محمود تيمور... ثم مقدمة الطبعة الثالثة بقلم طه حسين.. وأخيرا مقدمتي الطبعتين الثانية والأولى لأنيس منصور نفسه..... ومن الضروري جدا أن تقرأ هذه المقدمات جميعها...أعجبتني جدا مقدمة محمود تيمور للكتاب.. فقد برع فعلا في وصف شخصية أنيس منصور بدقة ...
يقول محمود تيمور في مقدمته أنه ظل يؤجل قراءة هذا الكتاب من تخوفه من حجمه الكبير (600 صفحة).. وقال إنه فتحه يوما من منتصفه تقريبا وقرأ فقرة....ومن شدة ما جذبه الكتاب فقد بقي يقرأ الكتاب ولم ينتبه إلا وقد وصل إلى نهايته في جلسة واحدة وهو لم يقرأ نصفه الأول بعد... فعاد وقرأ الكتاب من بدايته...
الكتاب إذا ليس بحاجة إلى مدح أو إلى تسويق.. فسمعته تسبقه وسمعة كاتبه تكفي لتعرف مستوى الكتاب...
سبق وأن مدحت أسلوب أنيس منصور ... ولكني لا أجد بدا من مدحه مجددا في ضوء كتابه هذا....
أنيس منصور كاتب رائع باختصار... يجذبك بأسلوبه السهل والجزل في الوقت ذاته... ويحملك معه في أسفاره حول العالم وكأنك تصحبه فيها...ترى ما يراه وتحس ما يحسه وحتى إنك تكاد تشتم ما يشتمه من شدة براعته في الوصف ودقته في التعبير...
قد تكون سيئة الكتاب الوحيدة هو أننا نقرأه الآن بعد مضي أكثر من خمسين سنة على كتابته... خلالها تغير الكثير على الدول التي زارها منصور وعلى العادات ووسائل النقل وأدوات التكنولوجيا وعلى البشر أيضا... فعلى سبيل المثال: لم تكن "مانيللا" هي عاصمة الفلبين عندما زارها أنيس منصور .. بل كانت مدينة "كيزون"....حيث تغيرت إلى مانيللا عام 1976..
بالإضافة إلى ذلك.. فقد أصبحت تلك الدول التي زارها أنيس منصور معروفة لدى الجميع .. ويستطيع أي واحد أن يعرف كل ما يريده عنها من معلومات وأن ويتجول فيها ويزورها "زيارة إلكترونية" ويشاهد مئات الفيديوهات المصورة عنها وعن عادات شعوبها...
ولكن بالرغم من ذلك فقراءة هذا الكتاب لا تعني السفر فقط.. بل تعني أيضا صحبة أنيس منصور في هذه الرحلات الشيقة...
مأخذي على هذه الأسفار والكتاب بشكل عام هو أن أنيس منصور قد حرص على ارتياد جميع أمكان الترفيه ومحطات التسلية في جميع البلدان التي زارها.. وهو مليء بالمعلومات عن النوادي الليلية والبارات والمراقص .. طبعا بالإضافة إلى الفنادق والمقاهي والسينيمات..
وسواء كان قد قصدها للكتابة عنها أو للترفيه عن نفسه فعلا فقد كان حريا به ألا يجعل للترفيه ذلك الحظ الكبير في كتابه هذا..
أنيس منصور من الكتاب الرائعين جدا.. تقرأ له فلا تمل أبدا... تنتهي من كتابه فتتمنى لو أنه لم ينته...وتشتاق إلى قراءة كتبه الأخرى.. فقد حباه الله ملكة الوصف الدقيق وجمال التعبير وسلاسة الألفاظ وقربها من القلب وبعدها عن الرتابة والتكرار...
وقد لاحظت أن معظم الكتاب المشهورين – مثل أنيس منصور – كانوا قد حفظا القرآن الكريم في صغرهم في "الكتّاب" .. مثل طه حسين ومثل أدونيس وغيرهم كثيرون... فقد أنار الله بصيرتهم وأطلق قريحتهم الكتابية ببركة حفظ كتابه الكريم...
لطالما أمتعنا أنيس منصور بكتبه وأفكاره ونظرته الفريدة للأشياء المختلفة... وقد توفي أنيس منصور قبل عامين وأفضى إلى ما قدم.. ولا يمكنني إلا أن أطلب له الرحمة والمغفرة....
حول العالم في 200 يوم...كتاب رائع ستندم أنك لم تقرأه قبلا..