أحبائي
أستاذنا الأديب الكبير العلامة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين
عمل جيد
ماذا كان رأي القرّاء بكتاب أديب؟ اقرأ مراجعات الكتاب أو أضف مراجعتك الخاصة.
أحبائي
أستاذنا الأديب الكبير العلامة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين
عمل جيد
في قراءة سابقة لرواية ما وراء النهر لعميد الأدب العربي طه حسين أيضاً سجلت انبهاري بتقنيات السرد إليه، وسبقه إلى استخدام أسلوب الميتاقص في الرواية قبل أن يتم التنظير له أدبياً سابقاً لأدباء الغرب الذين ادعينا أخذنا عنهم لهذه الأساليب الحديثة في الكتابة الروائية وفنون السرد، وهنا في رواية أديب لا زال يبهرني أيضاً بأسبقيته في استخدام أساليب متعددة نعدها في عصرنا الحالي من علامات الحداثة وما بعد الحداثة وقد طرقها طه حسين منذ أكثر من نصف قرن.
في رواية أديب استخدم طه حسين أساليب تيار الوعي في الكتابة الروائية، والاعتماد على الرسائل المتبادلة؛ لتكون الرواية في الجزء الأكبر منها هي رواية رسائل، كما إنها تطرق أيضاً إلى الكتابة الذاتية والأدب الذاتي؛ فالراوي في الرواية هو طه حسين ذاته، وهو يحكي في الرواية عن مأساة صديق له، جُن بالأدب وتحصيل العلوم الأدبية في فرنسا؛ ليكون أديباً عالي الشأن، ولكن جنونه ذلك أودى بحياته في النهاية، بعد انبهاره بحضارة الغرب وانغماسه في ملذاتها، وتمزقه بين ما يطمح إليه عقله وتهفو إليه روحه، وما تسعى إليه رغباته وملذاته.
وعلى الرغم من تعامل النقاد مع الرواية سابقاً على أنها رواية متخيلة عن شخصية وهمية يحكيها طه حسين على لسانه فقط لا غير، إلا أن طه حسين نفسه في أكثر من حوار معه أكد على وجود هذه الشخصية حقيقة وأنه كان أحد أصدقاءه المقربين فعلاً، وصرح باسمه ذات مرة، وهذا يؤكد على فكرة الأدب الذاتي التي بدأ يُنظر إليها جدياً في الآونة الأخيرة؛ فقد نالت الكاتبة الفرنسية آني إرنو مؤخراً جائزة نوبل لإسهاماتها الأدبية وتركيزها فيها على الجوانب الواقعية والحياة الحقيقية للأشخاص.
وقد قرأت جل أعمال آني إرنو، والتي كانت تسعى فيها لتوثيق جوانب من حياتها الشخصية وتفاعل الأشخاص الآخرين معها، ولا يعدو ذلك أن يكون نبذة مما فعله طه حسين في رواية أديب؛ فقد سبقها إلى ذلك بعشرات السنوات، ولكنه كان سابقاً لعصره؛ فلم يهتم أحد بما يفعل وقتها، والآن هم يسعون حثيثاً للحاق بركابه، حتى إن الكثيرين حتى الآن لم يتمكنوا من فهم تقنية السرد في الرواية، ولم يتمكنوا من إدراك والفصل بين الشخصيتين في الرواية.
بين شخصية الراوي السارد المتمثلة في طه حسين نفسه، وشخصية الأديب الذي هو أحد أصدقاءه؛ فيخلطون بين الاثنين، ويتوهمون أنها شخصية واحدة، وأن شخصية الأديب المقصودة في الرواية هي طه حسين أيضاً، ويبررون ذلك بأنه أراد أن يحكي ما حدث معه في أوروبا بطريقة متخفية حتى لا يحاسبه أحد! وهذا أمر لا ينبئ إلا عن أناس لا ينظرون في الأدب أبعد من البحث عن مادة للنميمة فقط لا غير، وأن يكون سلوكاً فضائحياً، وإن كنت لا أعارض أن يكتب كاتب ما سيرته الذاتية عارضاً فيها ما قد يعتريه من مساوئه إلا أن يكون هذا هو الهم الوحيد للقارئ أو الناقد أن يبحث عما يرتبط بفضيحة ما لهذا الكاتب أو ذاك؛ فهذا هو العبث بذاته.
#رواية_أديب لعميد الأدب العربي #طه_حسين
#جولة_في_الكتب #روايات
#مقالات #سارة_الليثي
اقتباسات من الرواية:
زعموا أن من أظهر خصائص الأديب حرصه على أن يصل بين نفسه وبين الناس، فهو لا يحس شيئًا إلا أذاعه ولا يشعر بشيءٍ إلا أعلنه، وهو إذا نظر في كتابٍ أو خرج للتروض، أو تحدث إلى الناس، فأثار شيء من هذا في نفسه خاطرًا من الخواطر، أو بعث في قلبه عاطفة من العواطف، أو حث عقله على الروية والتفكير، لم يسترح ولم يطمئن حتى يقيد هذا الرأي، أو تلك العاطفة أو ذلك الخاطر في دفترٍ من الدفاتر أو على قطعةٍ من القرطاس.
ذلك لأنه مريضٌ بهذه العلة التي يسمونها الأدب، فهو لا يحس لنفسه، وإنما يحس للناس، وهو لا يشعر لنفسه وإنما يشعر للناس، وهو لا يفكر لنفسه وإنما يفكر للناس. وهو بعبارةٍ واضحة لا يعيش لنفسه وإنما يعيش للناس، وهو حين يأتي من الأمر هذا كله يخادع نفسه أشد الخداع، ويضللها أقبح التضليل، فيزعم أنه مؤثر لا يريد أن يستمتع وحده بنعمة الإحساس والشعور والتفكير، وإنما يريد أن يشرك الناس في هذا الخير الذي أنتجته طبيعته الدقيقة الخصبة الغنية، فإذا كان متواضعًا، معتدل الرأي في نفسه فهو شقي تعس محزون، يحب أن يعلن إلى الناس ما يجد من شقاء وتعس وحزن، لعلهم يرثون له أو يرأفون به أو يشفقون عليه. وربما لم يرَ في نفسه إيثارًا، ولم يحس أنه شقي، وإنما آثر نفسه بالخير، وأحبها قليلًا أو كثيرًا، فهو يُسجل ما يحس وما يشعر وما يفكر ليحفظه من الضياع، وليستطيع العودة إليه من حينٍ إلى حين كلما خطر له أن يستعرض حياته الماضية، وكثيرًا ما تعرض له الفرص التي تحمله على أن يستعرض حياته الماضية، والذاكرة قصيرة ضعيفة، فلِمَ لا يسجل خواطره وعواطفه وآراءه التي يتكون منها تاريخه الفردي الخاص؛ ليعود إليه كلما دعاه إلى ذلك جد الحياة أو هزلها؟ وما أكثر ما يدعو جد الحياة وهزلها إلى أن يستعرض الإنسان حياته الماضية وما اختلف عليه فيها من الأحداث.
يخدع الأديب نفسه هذه الضروب من الخداع، ويعللها بهذه الألوان من التَّعِلَّات، وحقيقةُ الأمر أنه يكتب لأنه أديب، لا يستطيع أن يعيش إلا إذا كتب، يكتب لأنه محتاج إلى الكتابة كما يأكل ويشرب ويدخن لأنه محتاج إلى الطعام والشراب والتدخين، وهو حين يكتب قلما يفكر فيما يَحسن أن يكتب، وما ينبغي ألا يعرفه القرطاس أو يجري به القلم، كما أنه حين يأكل ويشرب قلما يفكر فيما يلائم صحته وطبيعته ومزاجه من ألوان الطعام والشراب وأصناف التبغ.
...............
يسيطر الغرور على أنفس الشباب فإذا هم يتكلفون ما لا يحسنون ويحملون أنفسهم ما لا يطيقون، ويتكلفون هذا النفاق الغريب يخفون به ما في نفوسهم من أصول الخير ويظهرون به ما يرغبون فيه من مظاهر التجديد.
...............
فلم يكن لهذا الصديق الذي وشى بي طمع في البعثة ولا طموح إليها، وإنما هو الحسد وحده. رأى أني سأسافر إلى حيث لا يستطيع ولا يأمل أن يسافر، ورأى أن حالي قد تتغير وأن حياتي قد تصلح، وأني قد أرقى إلى منزلة لا يستطيع أن يطمع فيها ولا أن يسمو إليها، فكره ذلك وضاق به، ثم جد في أن يحول بيني وبني ذلك، وأن يمسكني في المنزلة التي أمسكته فيها الظروف، فأبقى مثله خاملا ً متواضعا محدود الأفق من البيت إلى الديوان، ومن الديوان إلى البيت، والقهوة بين ذلك أحيانًا.
...............
واعلم بعد ذلك أن الحياة في مصر هي الحياة في أعماق الهرم، وأن الحياة في باريس هي الحياة بعد أن تخرج من هذه الأعماق.
استمتعت بلا شك في اللغة الساحرة للكاتب طه حسين؛ بالجمال الأدبي وحسن التصوير واستخدام جمال اللغة من جناس وتصوير وغيره؛ كما أن الرحلة والغوص في الصراع الفكري بين الندم والانغماس في اللهو كانت مثيرة للتفكير وأدعى إلى التدبير.
لكن لم أجد في حبكة السيرة ما يثير الاهتمام حقا؛ غير رسائل الأديب بما تحمله من أفكار النفس وجمال اللغة.
السابق | 1 | التالي |