محراب الصلاة : تأملات وتجليات ابن قيم الجوزية
تأليف
فايز بن سياف السريح
(تأليف)
"إن الصلاةَ قرةُ العين، ومفزعُ الحزين، وملاذُ المؤمنين، وعُروةُ النجاة، ومفتاحُ الفلاح، وغذاء الأرواح، بها تُغسَلُ الذنوب، وتُقضى الحاجات، وتُدفعُ البليّات،
وتُرفَعُ الدرجات؛ فهي معراجُ العبد إلى مولاه، وكنزه الذي لا ينفد، وغناه الذي لا يبيد، وسلاحُه إذا ادلهمّت به الخطوب، وحِصنُه إذا أحدقتْ به الذنوب، من أقامها نال السعادة، ومن أضاعها ذاق الحسرةَ والندامة.
ولما كانت الصلاة بهذه المنزلة العظيمة، ولما عُرِف عن الإمام ابن القيم رحمه الله من عمقٍ في فهم أسرار العبادات وتجلٍ في بيان حقائقها، رغبتُ أن أجمع ما قاله عن فريضة الصلاة، صفتها وأسرارها، ليكون زادًا لمن أراد أن يُقيمَ صلاته على وجهها، ويُذيق قلبَه حلاوتها، ويقطفَ من ثمارها الدانية ما تقرّ به عينه، وتخشعُ له نفسُه.
لا ريب أن الصلاة قُرَّةُ عيون المحبين، ولذَّة أرواح الموحِّدين، ومحكُّ أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمته المُهْداة إلى عبيده، هداهم إليها وعرَّفهم بها رحمةً بهم وإكرامًا لهم؛ لينالوا بها شرف كرامته والفوز بقربه، لا حاجةً منه إليهم، بل منَّةً وفضلًا منه عليهم، وتعبَّد بها القلبَ والجوارح جميعًا، وجعل حظَّ القلب منها أكمل الحظين وأعظمهما، وهو إقباله على ربه سبحانه، وفرحه وتلذُّذه بقربه، وتنعُّمه بحبه، وابتهاجه بالقيام بين يديه، وانصرافه حال القيام بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده، وتكميل حقوق عبوديته حتى تقع على الوجه الذي يرضاه.
"