فوق بحر الضباب: تأملات في فلسفات ما بعد الحداثة
تأليف
هاني حجاج
(تأليف)
في زمن رائق مضى خرجت الفلسفة من كهف أفلاطون تحبو نحو النور، وكانت الحياة بها ومعها ممتعة، الكلام عنها شائق ودراستها نشوة، قبل أن يتصدّر المشهد كيركجارد بفلسفته السياسية، وشوبنهاور بأحكامه القاطعة، نيتشة لا يمزح، وسارتر أغرقنا في عاصفة من السكر بحثًا عن جوهر.. لم نفق من هذا الدوار حتى صرنا عاجزين عن رؤية بعضنا البعض في سحابة رمادية عملاقة تزعم أنها السردية الكبرى؛ أشبه بقصة موحدة ومكتملة وشمولية ويقينية من الناحية المعرفية، وذلك فيما يخص كل شيء. غول ما بعد الحداثة يلتهم كل المعارف ويبحث عن وصف نفسه بنفسه، يُهادن علم النفس في عصر الآلة ويتسلل في كتابة الروايات بالذكاء الاصطناعي ويعيد ترتيب أسئلة البراءة الأولى عن نشأة الكون ومعنى السعادة. تدور اللعبة ونسمع دفاعًا عن التنجيم والسحر والطب البديل والتشكيك في قيم عصر التنوير، العودة إلى البساطة وعلاج المسائل بطرق تقليدية ومحاربة تعقيدات الفلسفة بفلسفة جديدة أكثر تعقيدًا. الفلسفات الحديثة تعطي شرعية لمزاعمها الحقيقية (كما تزعم هي نفسها بذلك) ليس على أساس منطقي أو تجريبي، ولكن على أساس القصص المقبولة الخاصة عن المعرفة والعالم. تنأى برأسك عن الصور والأشباح فترتفع هامتك فوق سحابة كثيفة من الميتا-حداثة وذلك في ظل وضعنا ما بعد الحداثي. لترى الناس في أعقاب سقوط السرديات الكبرى الحديثة، يطورون لعبة لغة جديدة، فلم يعد أحد قادرًا على الزعم باسم الحقيقة المطلقة، ولكن عوضًا عن ذلك يدعمون عالمًا من العلاقات المتغيرة باستمرار!