العقلية العربية والإسلامية : بين التراث وتحديات الذكاء الاصطناعي
تأليف
علي نسر
(تأليف)
لا يمكن أن نتعامل مع ما يحيط بنا من مشهد دمويّ، إلّا عبر ربطه بشريط من التّراكمات. فليس أيّ انفجار وليدَ لحظته، وإن يكن دويُّه هو الأكثر حضورًا... فالرّعد المدوّي، والبرق الذي يخطف الأبصار، لا يمكن عزلهما عمّا ولّدهما من عوامل وظروف واحتكاكات.
ينسينا هول الحدث العودةَ إلى مسبّباته، ويمنعنا من فلسفتها، والمشاركة في تأويلها وتحليلها لاستنتاج المناسب، واستثمار ما يساعدنا في التقدّم، وتجنّب ما يحول بيننا وبين العصر والمستقبل فيعرقل طرق التغيير، ويلزمنا بثوابت شبه قدسيّة، تفرض نفسها كأحكام ذات قوالب جاهزة تتحكّم حتى بالمتغيّرات، حسب سياقات العصور المتعاقبة وتعدّد قراءاتها.
كثيرة هي الأسباب التي تردّنا نحو الوراء، بحجّة الحفاظ على النّوع، فنتقوقع في صدفة، ونكتفي بما يقدّمه لنا الزمان، من دون سؤال أو محاولة تنقية ما يغرينا لأخذه. نحجب الخيال، ونصدّ وسائل الابتكار، وندخل في صراع مع الحداثة، معنونين معظم أبحاثنا بـ(العصر وتحدّياته)، و(الحياة والصراع مع المستقبل)... وغيرها من العناوين التي تظهر ما يترسّب في لاوعينا الجمعي من مخاوف وحذر إزاء أي شيء جديد، أو فكرة حداثية تغييرية... وبدلًا من اتّخاذ الحاضر صديقًا عبر علاقة تكاملية، والمستقبل خليلًا عبر جعله الأمل في الخروج من أوحال الماضي وما يفرزه من صراعات لا تمت إلى الحضارة بصلة، ندخل مع الحياة عبر علاقات التحدّي والتنابذ وكأنّنا في علاقة أقرب إلى الثنائية الضدّية التعارضيّة القائمة على إلغاء أحد طرفيها الطرفَ الآخر.