"المسافر إنسان تعيس يجر حقائبه بحثًا عن السعادة الموجودة في اللا سفر، يظن الآخرون أن المسافر سعيد بينما هو وجبة للحزن يناوله كل ساعة ويمضغه بتلذذ. التيه قدرنا وعلينا الدوران كما قدرنا هذه الحيوات ونحن مرغمون على عيشها." - زمن الملل للتشادي روزي جدي 🇹🇩
لكل مدينة سدنة لذاكرتها، وأحسب أن العزيز روزي جدي قد يتبوّأ تلك المكانة حينما يتعلق الأمر بمدينة أنجامينا، عاصمة تشاد التي لا نعرفها، وقد لا نعرفها سوى عبر مرآة الأدب الذي يقدمه روزي جدي هنا مضمّخًا برحيق التجربة، مُعَمّدًا برمادها.
بلُغة سلسة وإيقاع هادئ، صاغ المؤلف قصة حياة بمثابة توثيق لمنعرجات مرت بها المدينة، فيطلعنا على مصائر الرفاق على خلفية تقلب أحوال البلاد، متجاوزًا الحيّز الشخصي إلى الفضاء العام الذي شكّل مصائر شخوص العمل ما بين اغتراب وانتحار وإحباط. هنا ليس هناك من مَخرج، فحتى أولئك الذين حاولوا الابتعاد صدق عليهم قول كفافيس: "أينما ذهبت، ستلاحقك المدينة."
لا يتشابه "ملل" روزي جدي مع "ملل" بودلير أو لوتريامون، فهو ليس بضجر وجودي أو فلسفي بقدر ما هو ظرف إنساني يفرضه جبروت الواقع الذي يصفه المؤلف في مشهد تلو الآخر في مدينة لا تترك متنفّس كاف لقاطنيها ولا تمنحهم آمالًا أو وعودًا أو حتى أمنًا وأمانًا. المدينة هنا قاسية، باطشة، لا تبالي ولا تهادن، والفَرد يبحث عن ذاته فلا يجدها سوى في العُزلة: عزلة القراءة، وعزلة الصديق الواحد، وعزلة الأماكن القليلة التي نختار أن تكون منافي لأرواحنا المنهكة.
لأسباب كثيرة (ومخجلة)، لا يعرف المصريون الشيء الكثير عن قارتهم وعن أدبها، لذا أشجّع المثقف المصري المهتم بمحيطه والقارئ للعربية فقط التعرف على أدب أفريقيا من خلال كتابات روزي جدي و حجي جابر وغيرهم مما أبدعوا بالعربية، فضلًا عن قراءة مترجمات لروائع الأدب الأفريقي المكتوب بلغات أخرى.
#Camel_bookreviews