اقتباسات من كتاب إلى العزيز فيودور دوستويفسكي

عزيزي

‫ حين أكون حزينة، لا أكتب لا أتكلم لا أتحدّث، فقط أسكت، أندمج كليًا مع الحزن، حتى أني لا أصارعه، أترك له نفسي تمامًا تمامًا، أستسلم بكل ما أوتيت من قوة، فلا أظنني ضعيفة، لي ابتسامة لا تفارقني، وأصدقاء متى سألوني عن أحوالي طمأنتهم، ولي شعور عميق بالرضا والله لو وزعته على عباد الله أجمعين لفاض.

‫ حزني العابر أقف وإياه على حافة الطريق، أنتظر له ميتة ربانية، حتى إذا مات كليًا، أكتب عن بشاعته، عن الظلام الذي حواني،

لوهلة تمنيت اختراع آلة، تمنحني النوم بالقدر الذي أريد، أدلف لأضغط على زِر سنةٍ كاملة، فلا أشعر بالأيام، السعادة، الحزن، الآخرين، أحاديثهم، أكاذيبهم، لا أريدهم جميعًا، فقط لعام واحد، أتمنى لو يتسنى لي تجديد المدة متى أردت، أتمنى شيئًا آخر وأخير، آه لو أستمر في تجديدها حتى النهاية، أنا أكره هذا العالم يا فيو، وأحب الله كثيرًا.

قبلاتٍ عديدة، قفْ عند المنعطف، أعطِ قبلةً للشمس، وقبلةً للموت، وقبلات عديدة لهؤلاء المنزوين.

‫ لا تنزوٍ، لا تقرع مستودع البكاء، دعه جانبًا، انسه، اصرخ أو ابتع طبقًا من السكر، ثم أعطهِ لنملةٍ شريدة، املأ جوفك بالسكينة، امضغ الحب على مهل، لا تذبل، لا تنزوٍ

ارقص، ولا تنزوٍ

‫ لا تكتب نصًا تحت مقصلة، انعم بذاتك، زُر وإياها محارمك القديمة، تلك المبللة عند مقبرة أحدهم، وزِّع

صديقي فيودور مرحبًا

‫ أن تربطك علاقة روحانية مع ذاتك، لن يتعرى شعورك، ستتشبث بالهدوء الذي يسكنك، سيدفئك شروق الشمس، لن تكن مسكينًا أبدًا، فقط كل من ضاعت روحه في جدران الزمن المتهالك مسكين، كل من أغلق النوافذ، وتساوت لديه الفصول مسكين.

‫ ارقص، دق على الأرض بقدمك، ارقص فوق التراب قبل أن يحويك، ها معي عُد الآن هزائمك، الأولى صعقةٌ بالقلب يوم أن… والتالية وخزةٌ يوم أن… والثالثة والرابعة نكسةٌ تزيح الروح جانبًا يوم أن…، يتبدل جسدك، تتدافع فيه النتوءات، يستوي الأبيض والأسود فينزوي فيك كلُّ شيء جميل

حتى هذه اللحظة، لا أعرف لماذا جئتُ لهذا العالم السخيف والممل جدًا؟ أتذكر مكسيم غوركي حين أجاب بأنه جاء كي يقول لا، أما عني قلتها كثيرًا، حتى مللت، وأبطأت في معارضتي للمحيط شيئًا فشيئًا، ليس قبولًا بقدر ما مللت، هذا كل شيء، صرت لا أعرف إن كنت ميتة تمامًا أم ما زلتُ حية أستطيع أن أتكلم، أنا أكتب فقط، ورغبتي في التعبير بالكلام ماتت كليًا، ولا أظنني أجيد التحدث بقدر ما أجيد الكتابة، لدي الكثير من الأمور التي أرغب في قولها، لكني أيضًا لا أستطيع ولا أعرف كيف، لقد فقدت نطقي تدريجيًا.

لقد صرت كقنفذ طيب، يتكوم على ذاته حتى لا يجرح سواه من الأبرياء، يجب على القنافذ ألا تختلط بأناسٍ طيبين، أن يسكتوا كثيرًا، ويسكنوا الأطراف، لا تتألم لأجلي أرجوك، هذا الشعور غير مؤلم، ميشكين لم يكن سطحيًا كما يظن البعض، هو الآخر كقنفذ ينظر من بعيد ويبتسم للعالم، يحمل في طياته سلامًا نفسيًا ليس عند كثيرين، يرى ويسكت، وأنا أرى وأكتب ثم أطوي ما كتبت، كان بالأحرى على القارئ أن يشبهني بالقنفذ لا بك..

‫ لم أرَ نفسي منغمسة ولا مرة في صراع المادة، للروح أبجدية تجذبني، الأشياء غير المرئية تكتنز برئتي، كتلك التي تلمحها خلسة عن العين، تمر على اللا شعور على استحياء، لا تترفق في تملكها كافة مناحيك.

أكره المادة وصراعاتها المنهكة للروح، لكني أحب القراءة لنيتشه، ثمة تجاذب يحدث بين المختلفين أحيانًا، وتنافر بين المتشابهين، على سبيل المثال تروقني فلسفة شوبنهور، وأخاف التبحر فيها، هذا لأني شعرتُ بتناغمٍ بين روح عقله وعقلي، قدرته التفسيرية، إسقاطاته، تلك أمور أميل لممارستها على الورق

أنا عظيم بعين نفسي، لأني وحدي أعرف صراعاتي ومعاناتي وانكساراتي، وشاهد على كل اللحظات التي كادت أن تهزمني ولم تفعل.

‫ المقامر

فيودور

‫ أرسم في ذهني المشاهد التي أريد، أستطيع اختصار المسافات، وتزوير الحقائق، آكل وقتي، فلا ألتقي بنفسي المجردة، هل أهرب منها؟ ماذا لو التقيتها؟ ماذا عن مصادفات الأغاني، ومشاهد الأفلام العفوية؟ ماذا عن الفكرة التي جاهدت لإعدامها، ولم أقدر؟ أظنني بعد وابلٍ من المحاولات غير المجدية لن أخرج سالمة.

‫ بطريقةٍ ما ليست آمنةً، هذا العالم غيرُ آمن، هواؤه عكر، طعمه مالح يعمي ويدمي على حدٍ سواء.

حين أحب أفعل أشياء غريبة، أرقص على أحباله الصوتية متى استشعرتها من بعيد، أطوق الوسائد، كل الوسائد يا فيو، لستُ امرأةً ذكية، أعرف ذلك، ربما أخسر الكثير لأجل عاطفتي، لكني أحبني وأنا أحب.

أنا أسأل كثيرًا، ربما يخيل لك أن أسئلتي غير ناضجة، يا عزيزي ليس كل الأسئلة استفهامية، بعضها تعجبية، وبعضها حسرة، والكثير منها لأجل إطالة وقت الحديث، تلك الأخيرة هل كنت تعرفها؟ أنا أفعلها فقط مع من أحب.

في قصصي كثيرًا ما ذكرت طوق الياسمين، حتى أنه كان بطلًا في احدى حكاياتها، أحدٌ لم يهدني طوق ياسمين، ولا طوق فل، ولا طوق أي شيء على الإطلاق، لقد أحببتُ الياسمين من داخل قنينة زجاجية محكمة الغلق، ومتى انكسرت القنينة، انكسر كل شيء.