ماء العروس > مراجعات رواية ماء العروس
مراجعات رواية ماء العروس
ماذا كان رأي القرّاء برواية ماء العروس؟ اقرأ مراجعات الرواية أو أضف مراجعتك الخاصة.
ماء العروس
مراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Raeda Niroukh
مع أول مراجعات الروايات المرشحة للبوكر 2026
لا تُقرأ هذه الرواية بمعزل عن مبناها الحكائي أبداً، فالأسلوب ليس هو الرجل كما قيل، بل المعنى الذي يختبئ في ثنايا المتاهة السردية، التي أتقن الناقد المتمرس في فنون الرواية خليل صويلح تشيدها.
في قالب رواية داخل رواية، نجد أنفسنا أمام ( تناص) مع روايات و كتب عالمية، يجمعها همّ ( الحكاية) و ( القصّ) ، كألف ليلة و ليلة، و دون كيخوته، واسم الوردة، وصحراء التتار، و اقتباسات لبورخيس، وابن عربي، وكارل ماركس، وماركيز، وسارتر.
تبدو الرواية مشغولة بفكرة الذاكرة و الهوية، فما الوجود الإنساني سوى هباء إن فقد ذاكرته و تنكّر لها، مهما كانت تلك الذاكرة ( مشوشة) أو ( معطوبة) ، أو معرضة للنسيان، أو التحوير ، والتشكيك.
ففي محاولة الكاتب لإعادة رسم المشهد السوري المعاصر ، يعود إلى ( ميموري ذات سعة تخزين 4 غيغا) ، أودعها صور فوتوغرافية، يوميات، اقتباسات من هنا و هناك، افتتاحيات قصص، أفكار و ملاحظات نقدية، أخبار صحفية… ويحاول كتابة رواية من تلك المزق، ويخلق شخصية ( اسماعيل الذي بدوره يكتب روايته عن والده بشير الساري، البدوي الذي تلقى صفعة من دركي و تعرض للاعتقال لحيازته سلاح بدون ترخيص) ، و تقفز الرواية قفزات رشيقة بين الحكايتين، يعوّل خليل صويلح على ذكاء القارئ لملء تلك الفراغات التي صرّح عنها حيناً، وألمح عنها في مواضع أخرى.
يحيل عنوان الرواية ( ماء العروس) إلى الماء في أصفى حالاته ، وأنقاها، ماء زلال، خالٍ من الشوائب و القاذورات، صفو، رائق، تماما كالعروس في أنقى حالات طهرها، بثوبها الأبيض النقي.
وكان همّ اسماعيل الوصول إلى ( ماء العروس) في نهر الخابور ، أو بردى، للسباحة فيهما، في وقت غاضت فيه مياه الخابور بفعل السياسات المائية الجائرة، وإقامة السدود لتوطين بدو الجزيرة في سوريا، وتلوثت مياه بردى بالأسمدة الكيماوية و مخلفات المصانع.
" كنت كمن بتطهر من آثامه بالماء، فلا هموم تثقلني، ولا محاكمة لأحد، على طريقة اسماعيل تماما و هو يغوص عميقاً في ماء النهر إلى أن يصل إلى ماء العروس ، الماء النقي، الزلال، الشفاف.."
تقارب عملية الغوص في ماء العروس الغوص في الذاكرة التي تشكّل الهوية، فهل يمكن الوثوق بالذاكرة؟ أن نصل إلى اللحظة الشفافة، النقية؟ وهل يمكن الوثوق بها؟
تلك الذاكرة التي تنازعتها سرديتان: سردية الوثائق الرسمية ( المكتوبة) و سردية التوثيق ( الشفوي) الشعبي؟
( هناك آلاف المؤلفين و شهرزاد واحدة).
وكذلك هي ذاكرتنا التاريخية، وذاكرة اسماعيل حول حادثة اعتقال أبيه.
وفي كل مرة يرسل اسماعيل قصة لينشرها، ترفض الصحف نشرها، فمقص الرقيب له بالمرصاد! يقص جناح قصته حتى لا يبقى منها شيء! فكيف يمكن الوثوق بها! تلك الحكايات التي أراد لها أن توثّق حادثة غيرت مجرى حياة والده!
ذاكرة محروقة:
تتصدى الذاكرة الشعبية الشفوية لكل محاولات القمع الرسمي، فتحمل الجدات عبء الحكاية برمزية الوحوش الضواري، والطيور التي تتحدث ، وعالم الجنيات و السحر، و تفرغ حمولتها في نقد النظام بتلك الرمزيات، في الوقت الذي تمارس فيه جهود حثيثة للتخلص من عبء الذاكرة المكتوبة ممثلة بالوثائق ، والمستندات، والخرائط ، والكتب، كما حدث في حي ساروجة الذي تعرض لحريق واسع، في المباني التي تحوي الأرشيف، الذي تعود وثائقه إلى العصر العثماني و ما قبله، وخاصة الوثائق التي تتعلق بنسب ساكني ذاك الحيّ، الذي يتعرض لمحاولات تغيير طبيعته الديموغرافية و احلال بشر من غير ساكنيه الاصليين! و احترقت وثائق و مستندات ملكية تاريخية، يراها البعض فرصة لهدم منازل و مبان تاريخية، وبناء عمارات و أبنية حديثة!
كل تلك المحاولات جاءت لمحو الذاكرة الموثقة كتابة، وهنا تتناص أحداث الرواية مع ( اسم الوردة) لامبرتو ايكو، و حادثة حرق المكتبة في الدير.
لا يتوقف تشويه الذاكرة و محوها بالحريق، بل إن عمليات سرقة الآثار و نهبها و تهريبها، وهدمها( قطع رأس تمثال أبي العلاء المعري في 2013) ، ونهب كتب و مؤلفات من مقام ابن عربي، كلها محاولات لمحو تلك الذاكرة، التي يستحيل معها الوصول إلى ذاكرة شفافة ك( ماء العروس)!
السؤال: إن كان من شبه المستحيل الوصول إلى لحظة الذاكرة الشفافة النقية، فهل الحل يكمن في احداث قطيعة معها و مع الماضي للبدء من جديد، وللتخلص من كل إرثها المشحون بالقتل و التعصب و الذبح والاعتقال و التبجيل و الخرافة؟
| السابق | 1 | التالي |


