كأن حسين الضاهر في ديوانه "أعلّق الشوارع على حبل منتصف الليل" لم يكتب شعرًا، بل وضع قلبه على الطاولة، ثم شرّحه سطرًا سطرًا أمامنا، دون مخدر، ودون أي محاولة للتجميل.
لم أقرأ قصائد، بل استمعت لنبض من ظلّوا على قيد الرماد. كل نص في هذا الديوان يفتح نافذة على مكان ما بين الحافة والسقوط؛ بين الذاكرة ككابوس والحنين كمشرط. وكأن الشاعر يتقن فنّ الدقائق الأخيرة، لا ليكتب عنها فحسب، بل ليعيشها بحذر من لم يتدرّب على الوداع.
يعرف حسين أن الألم لا يحتاج إلى صوتٍ مرتفع، بل إلى نفس طويل. ولهذا، جاءت قصائد الديوان كأنها همسات من شرفة عالية، تسرد الحياة كعطب جميل، والموت كطفلٍ يحبّ بعفوية ويخرب ما يرتّبه الكبار.
أعجبتني فطنة الشاعر في اختيار العناوين—كأنها مفاتيح مشروخة لبيوت تركها ساكنوها على عجل. أعجبتني أكثر دهشته الباردة، التي لا تسأل القارئ أن يواسيه، بل تطلب منه أن يجلس قليلًا في العتمة ليرى كم يشبه الحزن وجهه في المرآة.
ديوان لا يُقرأ مرة واحدة، بل يُعاد كما يُعاد جرح لم ينغلق تمامًا.