اقتباسات هرنشو

❞ لقد كان لتَنَصُّر قُسْطَنْطِين (306-337م) وظُهُور الكَنِيسَة المَسِيحِيَّة على الوَثَنِيَّة الرُّومَانِيَّة في حُدُود القَرْن الرَّابِع المِيلَادي أثَرٌ عَمِيق في فَنّ التَّأرِيخ، فقد تَحَوَّل إلى أيْدِي القَسَاوِسَة والرُّهْبَان وبقى فيهم طَوَال العَصْر الوَسِيط، أي زُهَاء ألْف سَنَة من الزَّمَان ❝

❞ كان تِيوسِيدِيد إذا قُورِن بهِيرُودُوت، أكْثَرَ عِنَايَة بتَحْقِيق ما يَرْوِي، وأقَلّ مَيْلًا إلى الاسْتِطْرَاد من مَوْضُوع قِصَّتِه إلى تَفْصِيلات لا عَلَاقَة لها به، وإن تَكُن في نَفْسِها طَرِيفَة أخَّاذَة، وأقْدَر من غير نِزَاع على صَوْغ القِصَّة التَّارِيِخيَّة. غير أنَّه من ❝

❞ والحَقُّ أنه عندما قَاَم تَاليس المَلْطي(5)Thales of Miletus فتَنَبَّأ بكُسُوفِ الشَّمْس في عام 585 ق. م وتَحَقَّقَ تَنَبُّؤه كان ذلك إيذَانًا بمُفْتَتَح عَصْرٍ جَدِيد في تَارِيخ تَحَرُّر العَقْل البَشَرِي. لقد تملَّك الإغْرِيق من ذلك اليَوْم شَغَف بالبَحْث أو بما يُسَمُّونَه ❝

❞ إذا كان تَصَوُّر التَّارِيخ على أنَّه عِلْمٌ - أيًّا كان مَعْنَى العِلْم - تَصَوُّرًا حَدِيثًا قَرِيبَ العَهْد مِنَّا، فإِن التَّارِيخَ من حَيْث هو سِجِلُّ العُصُور الغَابِرَة، ودِيوَانُها الحَافِظ لأخْبَارِهَا، قَدِيمٌ قِدَم اهْتِدَاء الإنْسَان إلى صِنَاعَة الكِتَابَة. ❝

❞ فالتَّارِيخُ من حيث هو عِلْمٌ يَخْتَلِفُ أصْلًا عنِ العُلُوم الفِيزيقِيَّة؛ هو - كما تَقَدَّم القَوْل - ليس عِلْم مُعَايَنَة أو تَجْرِبَة، ولكن عِلْمُ نَقْد وتَحْقِيق. ❝

❞ لَقَب «مُؤَرِّخ» هو فَيْلَسُوف، أرَادَ ذلك أم لم يُرِد. نَقُولُ هذا القَوْل ونحن نَعْنِي ما نَقُول، لا مُجَرّد التَّلاعُب بالألْفَاظ. ❝

❞ والجَوَابُ أنَّ التَّارِيخ من حيث مَعْنَاه العِلْمي لا مَوْضُوع له على الإطلَاق. هو مُجَرَّد طَريقَة بَحْث. ولكي يَتَعيَّن له مَوْضُوعٌ يَنْبَغي أن نَقْرِنَ اسْمَه بوَصْفٍ من الأوْصَاف، وعلى ذلك تكون الشُّؤون الماضِيَة للدُّوَل مَوْضُوع التَّارِيخ السِّياسِي، والشُّؤُون الماضِيَة للكَنِيسَة مَوْضُوع ❝

❞ أمْكَنَه ذلك، كيف صَارَت إلى حَالَتِها الحَاضرَة، فكذلك المؤرِّخُ يدرس الآثَارَ المُتَخلِّفة عن الماضِي ليُفَسِّر بَواسِطَتِها وبقَدْرِ إمْكانه ظَاهِرَة الحَاضِر. وكما الجُيُولُوجي يجِدُ مادَّته الأساسية فيما سَلِم في نفَايَات الطَّبِيعَة من أدِلَّة قَليلَة تُثْبِتُ التَّطَوُّرات الجُيُولُوجيَّة القَديمَة، فكذلك المؤرِّخُ يَعْتَمِدُ ❝

❞ إنه ليس كالفَلَك عِلْمُ مُعَايَنَة مُبَاشَرة، ولا كالكِيمْيَاء عِلْمُ تَجْربَة واخْتِبار، ولكنه عِلْمُ نَقْدٍ وتَحْقِيق. أقْرَب العُلُوم الطَّبِيعِيَّة شَبَهًا به الجُيُولُوجْيا. فكما أن الجُيُولُوجي يَدْرُسُ الأرْضَ كما هي الآن لَيعْرِفَ، إذا ❝

❞ وانتهى الإِشكَال، لأن كِتَاَبة التَّارِيخ فَنٌّ بطَبِيعَة الحال(8).

⁠‫وإذًا فَقَدْ تَمَهَّد الطَّرِيق إلى بَحْثِ المَفْهوم الثَّالِث والأدَقّ للَفْظِ (التَّارِيخ). إن هذا اللَّفْظ في أصْلِ مَعْنَاه واشْتِقَاقه الدَّقِيق يُفِيدُ «البَحْث» أو «التَّعَلُّم بوَاسِطَة البَحْث» أو «المَعْرفَة التي يُتَوصَّل إليها من طَريق البَحْث»(9) ❝

❞ إذا قُلْنَا إنّ التَّارِيخَ قِصَّةٌ فهو أُدْخِل في بَابِ الإِنْشَاء الأدَبِي. والإِنْشَاءُ الأدَبِي فَنٌّ من غَيْر نِزَاع لكن صِنَاعَة الإنْشَاء الأدَبِي عندما تُنْصَب على التَّارِيخ يكون أبْلَغ في الدّلَالَة عليها لَفْظٌ آخَر هو (التَّأْرِيخ)، أي كِتَابةَ التَّارِيخ، فإِذا ما اسْتَعْمَلْنَا ❝

❞ كما اشترك مع المستشرق الفرنسي ليفي بروفنسال في نشر جزء من كتاب «المُقْتَبَس في أنْبَاء أهْلِ الأنْدَلُس» لابن حَيَّان القُرْطُبِي. ❝

❞ في سنة 1926 م اتَّفَقَ ثَلَاثَةٌ من كِبَار مُثَقّفِي مِصْر (طَه حُسَيْن وأحمد أمِين وعبد الحـَمِيد العَبَّادِي) على دراسة التَّارِيخ الأدَبي والعَقْلِي والسِّيَاسِي للعَالَم الإسلامي، وكان نصيب عبد الحـَمِيد العَبَّادِي دراسة التاريخ السِّيَاسِي. وللأسف فلم يلتَزِم منهم باستكمال مشروعه سوى ❝

❞ العَبَّادِي) على دراسة التَّارِيخ الأدَبي والعَقْلِي والسِّيَاسِي للعَالَم الإسلامي، وكان نصيب عبد الحـَمِيد العَبَّادِي دراسة التاريخ السِّيَاسِي. وللأسف فلم يلتَزِم منهم باستكمال مشروعه سوى الأستاذ أحمد أمين (فَجْر الإسلام وضُحَى الإسلام وظُهْر الإسلام) . ❝

❞ في سنة 1926 م اتَّفَقَ ثَلَاثَةٌ من كِبَار مُثَقّفِي مِصْر (طَه حُسَيْن وأحمد أمِين وعبد الحـَمِيد ❝

❞ واعْتِرَافًا بفَضْلِ أستاذه العَبَّادِي أشَادَ الشَّيَّال به ، فقال: «إن التَّارِيخَ الإسلامي قبل العَبَّادِي كان حكايةً تُرْوَى، أو بيتًا من الشِّعْر يُنْشَد أو نُكْتَةً ظريفةً يستشهد بها. فكان هو أوَّلَ من أخْضعَ هَذا الفرع من فروع التَّارِيخ لمناهج البحث العلمي ❝

❞ وقد اشتهر باعْتِرَاف ڤُولْتِير فيه بفَضْل العَرَب على الحَضَارَة المَسِيحِيَّة، وبتَناوُلِه الكَلَام على الشُّؤون الاجْتِماعِيَّة والاقْتِصَادِيّة والسِّياسِيَّة والدِّينيَّة، وبإعْرَاضِه التَّام عن كُلِّ ما غَلَب على التأريخ من أيَّام باوْلُوس أوُروسْيُوس وهورُشْيُوسْ إلى وَقْتِه من تَعْلِيل الحَوَادِث بعِلَل سَمَاويَّة. ❝

❞ إذا قُلْنَا إنّ التَّارِيخَ قِصَّةٌ فهو أُدْخِل في بَابِ الإِنْشَاء الأدَبِي. والإِنْشَاءُ الأدَبِي فَنٌّ من غَيْر نِزَاع لكن صِنَاعَة الإنْشَاء الأدَبِي عندما تُنْصَب على التَّارِيخ يكون أبْلَغ في الدّلَالَة عليها لَفْظٌ آخَر هو (التَّأْرِيخ)، أي كِتَابةَ التَّارِيخ، فإِذا ما اسْتَعْمَلْنَا ❝