حول ”عدالة الثأر “ ان جاز التعبير، ينسج عاصم الفولي روايته المفعمة بالتشويق والأثارة حول معنى العدالة الحقيقي ووجهها المظلم حين تختلط بالغضب.
"هل لو ظلم إنسان يعد ذلك مبررا أخلاقيا لأن يصبح ظالمًا حتى ولو كان موجها إلى من ظلمه."؟! تلك هى مأساة بطل الرواية " كمال "، الذي يواجه عالمًا تحكمه القوة والطمع والجشع، حيث تُصبح العدالة مفهوماً نسبياً لا مكان فيه للرحمة أو القيم.
الرواية تحركنا عبر مسارين متوازيين:
الأول هو رحلة كمال قبل موته المزعوم: شاب كان جزءًا من شبكة إجرامية ضخمة تتاجر في المخدرات والأعضاء البشرية. حياته كانت قائمة على الخطيئة حتى انقلب شركاؤه عليه، ليدبروا له جريمة قتل لم يرتكبها ويُحكم عليه بالإعدام.
الثاني هو رحلته بعد "عودته من الموت": حيث يتحول إلى شبح من الماضي، عائد لينتقم من كل من خانوه ودمروا حياته.
هنا يطرح الكاتب سؤالاً فلسفياً عميقًا: هل يحق لمن تعرض للظلم أن يقتص بنفسه؟ وهل يتحقق العدل عبر الثأر، أم أن الثأر مجرد حلقة جديدة من الظلم والدماء؟
عودة كمال من الموت ليست مجرد حيلة درامية للتشويق بل رمز كذلك لإحياء الغضب والكراهية في قلب الإنسان. الكاتب يترك السؤال مفتوحًا: هل عاد كمال جسدا وروحا حقا من الموت؟ أم أن عودته مجرد استعارة لعودة رغبته في الانتقام التي بعثته من قبره النفسي؟ هذا الغموض هو ما يمنح الرواية قوتها ويجعل القارئ في حالة تفكير
مستمرحتى معرفة حل ذلك اللغز مع الاقتراب
من نهاية العمل.
أسلوب عاصم الفولي يتميز بالسرد المشوق والإيقاع المتسارع، مع لمسات نفسية وفلسفية عميقة. المشاهد مكتوبة بلغة سينمائية حية، تجعل القارئ يرى الأحداث ولقطات المطاردة والقتل والانتقام تجرى أمام عينيه، وكأنه يشاهد فيلماً مشحوناً بالأحداث.
لكن الرواية لا تقتصر على الإثارة فقط؛ بل تكشف الوجه البشع لعالم الجريمة والفساد، حيث تختلط المصالح بالدماء، وتنهار القيم أمام سطوة المال والسلطة. وفي الوقت نفسه تسلط الضوء على الصراع الداخلي للبطل: هل هو ضحية أم جلاد؟ وهل يستحق التعاطف أم الإدانة؟
النهاية التي اعتمدها الكاتب تترك القارئ أمام تساؤل محير: هل انتصر كمال حقًا حين نفذ انتقامه؟ أم أنه خسر نفسه للأبد؟!
في المجمل:
"الذي عاد من الموت" ليست مجرد رواية عن الجريمة والانتقام، بل رحلة فلسفية في النفس الأنسانية وإلى أى مدى وصل قدر توحشها. هي رواية عن العدالة المفقودة في عالم يحكمه الجشع، وعن الإنسان حين يتحول إلى كائن تحركه غرائزه الانتقامية.
لغة الفولي السلسة المشحونة بالعاطفة، وقدرته على خلق شخصيات واقعية وصراعات نفسية معقدة، جعلت القصة تجربة مشوقة وعميقة في آن واحد، كما أنها ملائمة لمحبي الدراما السوداء والقصص التي تجمع بين التشويق والأسئلة الوجودية.