والشيخ مصطفى في الليالي التي يطل فيها على السماء، لا يقتصر على التحدث لنفسه بجمالها، بل يغني عمدًا؛ ليسمع الناس أجمعين.. ويفهموا أن قلبه مشجو هذه الليلة.. وقد يكلم المارة دون أن يعرفهم، ويبادلهم النكات، ويشيعهم بها حتى يغيبوا عن نظره.
ومن هنا ولأسباب أخرى عديدة، أصبح معروفًا في الخط بأنه شخص قليل الاهتمام بما في الحياة من جد ونَصَب، وأصبحت جيرانه تعامله كما يعاملون الأطفال والنساء، وينصتون لحديثه على سبيل الفكاهة والتسلية.
والشيخ مصطفى مشهور في الحي، يعرفه الجميع، فهو كمقرئ ومنشد، يظهر في
يحيى حقي : الأعمال القصصية والروائية الكاملة
نبذة عن الكتاب
بخطوات سريعة دخل حسني أفندي إلى مكتبه وجبينه مكرّس التجهم. أمسك بالبلاغ من يد الغفير وكأنها سرقة، ثم انفجرت من بين شفتيه لعنة اختفت حدتها مع الوقت. كان المأمور قد استدعاه على عجل، فقام مضطرًا من مائدة العشاء بعد يوم طويل قضاه على ظهر الحمار. راقب الغفير عينَي المعاون تتبعان كلمات البلاغ، تلاحق السطور بانحناءات وتركيز، حتى لاحظ كيف تلاشت التجاعيد في وجهه وتحولت التكشيرة إلى ابتسامة خفيفة. تمتم في نفسه: "هكذا هي طباع الحكام، غضبهم سريع ورضاهم أيسر." استقر حسني على مقعده، استقام ظهره، وأمسك بالبلاغ بين يديه. نظر إليه مليًا ثم بدأ يقرأه بصوت خافت، كلما نطق بكلمتين أومأ برأسه، تعبيرات وجهه تلاعب حاجبيه، ورجله اليمنى تضرب إيقاعًا خفيفًا تحت المكتب. ختم قراءته بضحكة غريبة، خرجت من حلقه، ومال بها نحو أنفه، كانت ضحكة جريئة تحمل شيئًا من التحدي. أما الغفير، فقد أدرك منذ زمن أن المعاون يسخر من البلاغ، فهو ليس من أهل البلد ولا يحمل ضغينة ضد العمدة أو مسؤوليه، رغم نظراته الصارمة. ابتسم ابتسامة تملقية، مستسلمًا للحالة التي لا يملك تغييرها.التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2021
- 752 صفحة
- [ردمك 13] 9789771459859
- دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاب
66 مشاركة