رواية سحر أسود : الملعون من الأعمال التي لا تكتفي بإثارة الخوف فحسب بل تغوص في أعماق النفس البشرية لتكشف كيف يمكن للشر أن يتخفّى في أوجه مألوفة وكيف يتحوّل الإنسان ذاته إلى لعنة تمشي على الأرض
من الصفحات الأولى يأخذنا أحمد فكري إلى أجواء معتمة يغمرها الغموض والقلق بأسلوب سينمائي يجعل القارئ يعيش المشاهد وكأنه داخلها الفكرة في ظاهرها قصة رعب تقليدية لكنها تحمل خلفها طبقات نفسية وفكرية تتحدث عن اللعنة عن الذنب عن الهروب من الماضي وعن ثمن المعرفة حين تتجاوز حدودها
تبدأ الحكاية ببطل فاقد للذاكرة يُدعى عادل يحاول استعادة ماضيه المفقود بعد حادث غامض ومع كل ومضة من ذاكرته تنكشف خيوط أكثر ظلمة تربطه بعالم غريب تتداخل فيه الأساطير والواقع السحر والدين والعلم والجنون الكاتب استخدم أسلوب الفلاش باك بمهارة في دمج الماضي بالحاضر ليصنع سردًا متصاعدًا حتى تنكشف الصورة النهائية
السرد هنا هو أحد أقوى عناصر الرواية يعتمد الكاتب على لغة تجمع بين الفصحى والعامية المصرية في الحوارات وهو قرار ذكي أضفى واقعية على الأحداث خصوصًا أن القصة تدور في بيئة محلية مألوفة اللغة الوصفية دقيقة دون مبالغة والمشاهد مكتوبة بعناية تخلق توازنًا بين الغموض والإيقاع السريع، فلا يشعر القارئ بالملل رغم ثقل بعض اللحظات النفسية.
شخصية عادل مرسومة بعمق نفسي لافت الصراع بين عقله وذاكرته بين ما يراه وما يعتقده يجعله شخصية رمادية لا تعرف إن كنت تتعاطف معها أم تخشاها الشخصيات الثانوية كذلك تمتلك حضورًا واضحًا ولكل منها ظلّ ودور في تشكيل اللغز الكبير الذي تدور حوله الرواية
الرواية تحمل طابعًا بصريًا قويًا، وكأنها مكتوبة بعدسة كاميرا تتحرك بين الضوء والظلال الرعب هنا ليس دماءً وأشباحًا بقدر ما هو رعب نفسي وجودي ينبع من فكرة اللعنة والخطيئة ومن إحساس الإنسان بأنه مراقب من قوى لا يفهمها
حبكة متماسكة رغم تشعبها توازن ممتاز بين الرعب النفسي والدرامي واقعية الحوار وسلاسة اللغة
نهاية مفتوحة تترك القارئ في حالة توتر وتساؤل وفى انتظار الجزء الثاني
سحر أسود : الملعون ليست مجرد رواية رعب بل تجربة نفسية عن الإنسان حين يصبح هو نفسه لعنة تبحث عن فداء الكاتب أحمد فكري يثبت هنا أنه كاتب يعرف كيف يخلق الرعب من داخل النفس لا من خارجها وكيف يجعل القارئ جزءًا من اللعنة نفسها
عمل يستحق القراءة لمحبي الأدب الغامض والرعب النفسي، ولمَن يبحث عن رواية مصرية تُنافس بجدارة في هذا النوع الأدبي النادر عربيًا




























