"يلعبه هذان السجينان في المعتقل، كلما أمكن. كلٌّ منهما يتخيل الرقعة في رأسه. وبعد فترة صمت ينطق أحدهما بالخطوة التالية. لطالما جلست بجوارهما، محاولاً معرفة من أين يجيئان بتركيزهما، وكيف يريان رقعة غير موجودة؟" - تاجر الحكايات لحسن عبد الموجود 🇪🇬
شهادتي في حسن مجروحة، رغم أني لم ألتقيه مطلقاً. شهادتي مجروحة لأنه أول من شجعني من الوسط الأدبي لمواصلة الكتابة، كما أنه تحمس لبعض النصوص التي نشرتها أخبار الأدب، هذا الصرح الذي نعتز به جميعاً كقراء وكُتاب. كنت متشوقاً لقراءة هذه المجموعة القصصية الجديدة فور توفرها على أبچد، والحق أنها لم تخيب ظني مطلقاً. يشهد الله أن مراجعتي القصيرة هذه تلتزم الحياد.
يلحظ القارئ على الفور حجم التكثيف الذي اعتمده المؤلف وكأنه يستقطر العبارات، ومدى الاقتصاد في عناصر القَص وصولاً إلى حكايات مركّزة مثل الزيوت العطرية الخام. لقد اخترت العطر لأن الروائح قادرة على استحضار ذكريات لأماكن وأشخاص وأزمان، وهو بالضبط وقع بعض القصص في نفسي. أضف إلى قِصر القصص حُسن اختيار موضوعاتها، وستجد أن المجموعة بأسرها تكاد تكون بمثابة نسخة أدبية عفوية من "صندوق الدنيا"، بكل ما في الصندوق من عجائب.
أدهشتني بعض القصص لطرافتها وروحها المصرية (مثل قصة 'البوكس')، وفاجأتني بعضها (مثل قصة 'القرين') لما تنطوي عليه من استعراض لحالات إنسانية غير متوقعة تنطق بهشاشة شخوصها أو تحايلهم على طغيان الظروف المحيطة، وفي كلتا الحالتين، استخدم المؤلف لغة تبدو عفوية ولكن أظنها محسوبة كي تكرّس للمعنى الذي يريده.
يجيد العزيز عبد الموجود استخدام فن القصة القصيرة (للغاية) لاقتناص لحظات وظروف آنية، مراوغة، أثيرية، يتجلى من خلالها سحر هذا العالم (وقسوته)، متأرجحاً بين المكاشفة والمواربة كي يترك للقارئ مساحة يملؤها كلٌ بقدر ما يُحصِّل، متجاوزاً فخ الإفراط (والتفريط) في التفاصيل، وهو صراط هذا الشكل الأدبي شديد الخصوصية.
#Camel_bookreviews