المنادي
تأليف
فريد معوض
(تأليف)
عبد الجواد الغريب ينادي بصوتٍ مرتفع وهو يحمل بين يديه العينة الثمينة، متجولاً بها عبر الشوارع الضيقة والأزقة الملتوية. هذه المرة كانت العينة سمكتين من سمك الحامول الطازج، التقطهما صباحًا بكل عناية، لكن إحداهما قفزت فجأة إلى الأرض، وعندما حاول الإمساك بها، قفزت الأخرى.
ارتفعت الشمس، غمرت كل شيء بضوئها الساطع، حتى بدت عيون السمكتين متسعة وكأنها جاحظة من كثرة المراقبة، وكأن آلاف الأعين والأيدي المتلهفة تلمسهما بلا توقف. ومع ذلك، فإن عبد الجواد يعلم أن هذه العينة، في نهاية المطاف، ستكون نصيبه.
عند عودته إلى البائع، يضع الأخير فوق السمكتين اثنتين جديدتين كانتا مختبئتين في قعر القفة، ثم يُعيدها إليه. يدس عبد الجواد يده في جيبه المليء بالنقود المعدنية الخشنة، يتلقى شيئًا مقابل مجهوده، يقبل يده مودعًا، ثم يختفي بين الأزقة التي تبتلعه كأنها لعنة، قبل أن يخرج إلى فضاء مفتوح، ويتجه نحو الباب المفتوح المقابل.
تتردد أصوات أذان الظهر من المسجد المجاور، معلنة انتهاء دورة الصباح. أحيانًا يطل النداء فجأة، فتتغير حالة عبد الجواد، تبدو عيناه واسعتين متسائلتين، كما لو أنه يشارك السمكتين رهقتهما. يجلس بجانبهما، يراقبهما بتمعن، يلاحظ ظلها القصير الذي يكفيها، والأرض الخالية من الغصون المحيطة بها، أرض واسعة ولكنها ضحلة، كأنها اختيرت بعناية لهذا المكان بالذات.
يمسح وجهه بمنديل متجمع في جيبه، يتجنب به ذاك المخاط القديم، يدخل يده إلى صدريته، يهزها ليدخل نسمة من الهواء، ثم يتأمل البلدة من موقعه. بالرغم من كل شيء، تبدو البلدة منخفضة وبسيطة، كأنها وُضعت هنا عن قصد، لا مكان آخر.