❞ وأن موت الأب -كما رأينا- ريحٌ صرصرٌ تشلع الخيام وتكشف عورات الرجال فتعيدهم أطفالا.. ❝
خيمة الرب: رثاء الآباء - نصوص من العالم
نبذة عن الكتاب
كانت الحرب تعصف في المنطقة، في صيف العام 1990 وخيولها تصهل بغلظة، حاملة معها فجائع وأهوال على الأبواب. كان ذلك العام غارقًا في الغبار، مليئًا بالتأملات العميقة في مرآة الوجود لأمة مشتطّة، تحركت في الشعر، لكنها في الوقت ذاته شربت من كؤوس الحرب وأكلت من طعامها المر. في بلدة الرقّة شرقي سوريا، مررنا برجلٍ صدفةً ونحن نطلب ماءً. كان وحيدًا، جالسًا بعيدًا عن بيوت الطين القريبة، والدموع تنهمر على وجهه. كان رجلاً في الخمسين من عمره، بطول سروة وهيبة فارس، يبكي بحرقة حتى بلّل ثوبه العربي المطرز، وكأن الدموع زادت من زينته في ذلك الحر الشديد. نزلت من السيارة بعنفوان شاب في العشرين من عمره، وسألته بلطف إن كان يحتاج شيئًا أو مساعدة. همس لي بصوتٍ خافت وكأنه يخاطبني وحدي: "مات أبي وانهدّ سقف الدار"، ثم صرخ بصوت لا أنساه: أنا لابجي.. وأبجّي الهور وفراه على شحّ النهر من بعد وفراه مضى من عطى العتّاب وفراه وصار بحر العتابا تراب بتراب وقعت هذه الأبيات على رأسي كضربة هراوة ثقيلة، فجلست بجانب الرجل عاجزًا عن فعل شيء. حفظت تلك الأبيات في لقطة واحدة، بكل زحافاتها وعللها وغموضها وكشفها، وعانقت الرجل المكلوم، الذي بكى بين يدي، غريبًا في حشمة القريب. نحن الرجال نفهم هذا الألم. ظللت أردد هذه الأبيات حتى شابت شعري، وفقدت والدي الذي فسّر لي البيت من جديد بضربة سيف أخرى، ليشرح لي هذا البكاء الذي يفطر الحجر، رغم أنني كنت أستعد نفسي لذلك المشهد الذي عبث بألوان الحياة لشاب في مقتبل العمر. وانتبهت صدفةً أيضًا أن الموت لا بد أن يأتي لكل الناس، للأقارب والأبعداء، وأن موت الأب، كما رأيت، ريحٌ صرصرٌ تشلع الخيام وتفضح عورات الرجال، فتعيدهم أطفالًا.التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2023
- 376 صفحة
- [ردمك 13] 978-9933-38-486-9
- دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاب
43 مشاركة