حساء بمذاق الورد - سعيد منتسب
تحميل الكتاب
شارك Facebook Twitter Link

حساء بمذاق الورد

تأليف (تأليف)

نبذة عن الرواية

كانوا يلعبون النرد بشغف يشبه النذور القديمة، وكأن الحياة كلها متوقفة على نتيجة زهر يُقذف في الهواء. فوق رؤوسهم، كان الباب العملاق يدور بثقلٍ كأنه يقلب صفحة من كتابٍ كونيّ، تثبّت على محورٍ من زجاجٍ تُشاهد تحته مياهٌ داكنة تفور وتتموّج، كأنها تنفث أنفاس الأرض الأخيرة. كل شيء هنا يلمع من فرط التجمد، الجليد متراكم على الأرصفة، وعلى أكتاف المنتظرين الذين تراصّت أجسادهم كتماثيل حجرية تنظر في صمت إلى مصير مجهول. تقدّمتُ بخطى مرتجفة، أبحث عن موضعٍ بين تلك الكتلة البشرية المتجمدة، وبين ضلوعي قلب يتخبّط كما لو كان طائراً في قفص من ثلج وحديد. أخرجت من جرابي غطاءً عسكرياً قديماً، لفته على جسدي كما يُلفّ العاجز برجاءٍ منسيّ، وعيناي لا تفارقان الرئيس القابع هناك عند المدخل. كان لا يشبه البشر كثيراً، أو ربما يشبههم بعد أن أكلتهم النيران وتبرّدت بقاياهم. تحيط به كلاب بوليسية كأنها رؤوس ذئاب مربوطة بأوتار من اللهب، تزمجر كلما اقترب أحدهم من الدائرة المرسومة حوله. جسده يشبه تمثال قائدٍ روماني خرج من الحرب للتو، مغطى بالندوب والصلب، ومنخاراه أخدودان ينبضان في وجه متحفز، يتحسّس كل حركة، كل ارتجافة. قبضته مشدودة على سوطٍ تتدلّى منه كرة حديدية تغوص فيها دبابيس طويلة، وتفوح منها رائحة الزيت المحترق؛ رائحة تثير الرغبة في التراجع. صوته، حين يزأر، يشقّ الهواء كصاعقة، ويخرج من فمه لهبٌ أزرق يلتهم الصمت ويكاد يذيب الجليد. تسمرتُ مكاني، خائفاً من أن تفضحني ارتعاشاتي. أغمضتُ عينيّ، وبحثتُ عن مهرب، عن خيالٍ، عن شيء يشبه الدفء. فتخيلتُ نفسي في بستانٍ بعيد، أقطف تفاحات ناضجة تحت شمس حانية. هناك، فقط، لم يكن الصقيع يلتهم أصابعي، ولا الصراخ يلسع وجهي. وهكذا نجوتُ — ولو للحظة — من ساحةٍ لا تُشبه سوى انتظار القيامة.
عن الطبعة

تحميل وقراءة الرواية على تطبيق أبجد

تحميل الكتاب
2.5 2 تقييم
37 مشاركة
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم

  • مراجعات رواية حساء بمذاق الورد

    2