رؤيا العين > مراجعات رواية رؤيا العين
مراجعات رواية رؤيا العين
ماذا كان رأي القرّاء برواية رؤيا العين؟ اقرأ مراجعات الرواية أو أضف مراجعتك الخاصة.
رؤيا العين
مراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
حسين قاطرجي
☆☆ قراءة حول رواية "رؤيا العين" للروائي المصري "مصطفى موسى". كتبها: حسين قاطرجي.
إنّ متعة قراءة الأدب الروائي لاتقف عند مايُقال، بل كيف يُقال، وليس المقصود بالكيف هنا جزالة اللفظ وحسن السّبك فقط، بل في عمق الرؤية وقدرة السّرد على إحياء ماضٍ مندثرٍ، أو نقل القارئ إلى عوالم خيالية بوعيٍ واضحٍ متسامٍ.
في "رؤيا العين" ينقلنا الروائي إلى مصر في عهد ولادة الدولة الفاطميّة، وسنرى أنّ ما يدور في بيت "عبلاء بنت العطّار" هو صورةٌ مصغّرة من الأحداث العارمة التي شهدتها مصر في تلك الحقبة.
إذاً "عبلاء" هي بطلة الرواية المطلقة، ومن خلال علاقتها بأزواجها: الأول، وأخيه الثاني (والثالث الذي تعرّفت به خلال إقامتها في مشفى المجانين (البيمارستان) والذي ماتت قبل أن يعقد عليها)، وأولادها وضرّتها وأحفادها، ومهنتها المتوارثة في العطارة، وأحلامها التي تقارب الكشف العرفاني، حول كل هذا تدور أحداث الرواية التي أضع حولها النقاط الآتية:
- أولاً: براءة الرواية من الأدب الصّوفي: إنّ تناول الكاتب مواضيعَ تتعلّق بتأويل الرؤى والأحلام، أو الخوض في تفسير آيةٍ قرآنية بالاستناد إلى بعض الإشارات، أو حتى المرور العابر بذكر الشيخ الأكبر "محيي الدين ابن عربي"، أو اقتباس بعض التعابير الفلسفيّة، لا يعني أنّنا إزاء نصٍ صوفيٍّ، ومن قال هذا القول فقد أساء القراءة والفهم، ومنح الرواية بُعداً لاتستحقه.
- ثانياً: لكثرة ما سيمرّ بالقارئ من ولاداتٍ شتّى؛ سيظنّ نفسه مطالباً بدفع أجرة الدّاية، لقد استرسل الكاتب، بلا رحمة، في تفاصيل المخاض وأوجاع الطلق، ممّا يدفعنا للظنّ بأنّه سيركّز على هذه الثيمة بصفتها استمراراً لدورة الشّقاء.
ثالثاً: أحببتُ من الكاتب توظيف الغدر بذكاءٍ في أحداث بيت "بنت العطّار"، الذي يمكن مقارنته بالغدر الذي نالته مصر من أبنائها في بداية العهد الفاطمي. لقد قتل الأخ أخيه، وباع السّفلة وطنهم بصرّةٍ من الدنانير. لقد كان الغدر طعنةً في ظهر الثقة، وهو ما شهدته مصر السنّيّة إبان قيام الدولة الفاطمية الشيعيّة.
- رابعاً: الطرح الطائفي (سنّي/شيعي) أضاء عليه الكاتب علناً من خلال شخصياته. (حسن الجعفري، وابن قوراج)، وجعل خطتهما في تجنيد المصري ابن البلد لنشر التشيّع حبكةً دراميةً تشكلّ جزءاً من المشهد الفكري في الرواية.
- خامساً: من المبالغة القول أنّ الرواية تسعى لنقاشٍ تاريخيٍّ يمسّ الحقبة الزمنيّة التي اختارها الكاتب، أو حتى عرض تياراتٍ فكريّة من خلال شخوصها وأحداثها، لقد كان الانخراط الوجداني مع الشخصيّات أوضح وأدق، وهي وحدها (الشخصيّات) منبع الصّراع النفسي لا الأحداث الخارجية المُحيطة.
- سادساً: يرتحل القارئ مع "عبلاء بنت العطّار" عبرَ الأباذير والأطياب برحلةٍ شذيّة، لقد نسجت في صومعتها من العِطارة حكايات الرواية بخيوطٍ من أريج القرنفل والهيل والزعفران، وجذور الزنجبيل التي تحمل في عروقها تاريخ الأرض.
في صومعة "عبلاء" الزاخرة بأصناف الطيوب يصير القارئ كسائرٍ في سوق العطارين؛ يمشي بين أكياسٍ مُفعمةٍ بالبركة والأسرار، ويشمّ فوح الزهور البريّة وقشور القرفة التي تلفّ عُمر الشّجر، مُدركاً أنّ العطر المنطلق من هذه الأعشاب ليست مجرّد رائحة، بل هي لغة الطبيعة الصامتة التي تتحدّث عن الشّفاء والبساطة وأناقة الروح. ولأنّني أحبّ صيدليّة الأرض فقد وجدتُ في هذه اللمسة جمالاً يُعلي من أمر الرواية شيئاً ما.
سابعاً: في الصفحة الأخيرة من الرواية وضع لنا الكاتب "ملحق المراجع والمصادر" وكأنّنا لم نكن في ضيافة (فنّ الحكي)، بل ضمن لجنة مناقشته لرسالة الدكتوراة!!
إنّ المعلومات التاريخيّة الواردة في الرواية، على ندرتها، أهزل من أن تحتاج إلى توثيق، وإنّ المراجع الإثنا عشر التي رقمها الكاتب في دبر الرواية هي تنطّعٌ واجتهادٌ توثيقيٌّ مُفرطٌ لا داعٍ له.
وخلاصة القول، وهذا رأيٌ شخصيٌّ كالعادة، هذه رواية تحقق شروط الرواية الصالحة للقراءة، لكنّها كالحلوى اللذيذة التي تُرضي حاسّة الذوق في لحظاتٍ، لكنّها لا تترك في الذاكرة ذلك الطعم الأبديّ السّاحر.
● رؤيا العين.
● مصطفى موسى.
● دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع.
● الطبعة الأولى 2018، 236 صفحة.
| السابق | 1 | التالي |





