اقتباسات من كتاب دموع الملح

ربما نجحنا في نشر رسالتنا، لكن هؤلاء الذين كان يجب أن يفعلوا أشياء حاسمة بخصوص الأمر لم يفعلوا. بدلاً من ذلك يدعمون الحدود وينصبون الحواجز والجدران العالية. الحدود مثل القلوب والعقول، مغلقة.

❞ كلما رأيتُ صوراً لمهاجرين يُجبَرون على الترحيل بالألاف، على العودة إلى الجحيم الذي فروا منه، ينتابني الغضب. أي نوعٍ من الناس لديه الأعصاب القادرة على تقرير مصير كل هؤلاء البشر بجرّة قلمٍ على قطعة ورق، ثم يبتسم لحامل الكاميرا ويصلح من وقفته ليبدو أفضل في الصورة؟ ماذا حدث لنا؟ كيف نسينا إلى هذه الدرجة الأشخاص الذين كنّا من قبل؟❝

❞ هناك قاعدة غير مكتوبة لن تستطيع استيعابها إلا إن كنتَ قد وُلدتَ في جزيرة معزولة مثل جزيرتنا تقول: من غير المقبول، بل ليس من الوارد أصلاً، ترك انسان آخر تحت رحمة الموج، أيّاً كانت هويته. ذاك هو قانون البحر. يُبجَّل هذا القانون ويُطاع بين معشر الصيادين، إلى حد أنه بعدما منعت الحكومة الإيطالية انتشال المهاجرين من البحر إلى القوارب، يخالف الصيادون القانون باستمرار وينتهي بهم الحال دوماً في المحكمة.❝

❞ لم يستطع الرجل التوقف عن النحيب بينما يحكي، وبالمثل لم أقدر أنا. لم أجد في داخلي ما يعينني على التماسك أمامه، ما أشعرني بالذنب، فلا يجب أن يسمح الطبيب لمرضاه برؤية تأثُّره. لكن هذه أشياء لا يمكن التحكم بها. كيف أبقى متماسكاً أمام كل هذا الحزن العاتي؟ ❝

بعدما تُذاع مقابلةٌ تليفزيونية، تذهب بسرعة إلى طي النسيان، لا تترك أي انطباع دائم على عقول المشاهدين وقلوبهم. كل شيء اليوم يُستهلك بسرعة غير مفهومة. تُسلِّم المأساة موقعها في بقعة الضوء للمأساة التالية قبل أن ينهي المشاهدون تناول غدائهم.

تطورت تجارة البشر إلى تجارة الأعضاء. الطريقة التي نحوِّل بها المهاجرين إلى أرقام وعناوين، تنزع عنهم الصفة البشرية، ما يجعل من السهل استهلاكهم حتى الإبادة، دون أن يبقى لهم أثر.

خلف كل هذا، كالعادة، سيلٌ منهمر من الأموال المتدفقة من ما يُسمى بالعالم «المتقدم». يمتص الشياطين الأثرياء دماء سكان العالم كله، لا يتركون خلفهم إلا الخاضعين المقهورين

❞ قالت لي ريتا ذات يوم «لم يتبقَّ عندي دموع، أحسبُني استخدمتُ مخزوني كله». ❝

كان أبي يعود للبيت كلَّ مرَّة متعباً، لكنه لم يعُد مهزوماً قطّ. الآلام التي يشعر بها تزداد سوءاً، والدموع التي تجد لها مساراً أحياناً على وجنتيه، تتحلّل ويبقى ملحُها على بشرته. كانت تلك هي دموع الملح.

عشرون منهم على الأقل كان بين أسنانهم صليب، وكأن آخر ما فعلوه كان تسليم أنفسهم للرب. منذ ذلك الحين، حلمتُ كثيراً بتلك الشفاه المنغلقة على الصلبان.

لامبيدوزا ليست جزيرة تسهل الحياة فيها. إنها بقعةٌ من الأرض انفصلت عن إفريقيا في عصورٍ سحيقة، وجنحت نحو أوروبا مع مرور الزمن. لهذا، فيها شيء رمزي من نوع ما، وكأنها بوّابة بين القارتين.

ألاعيب القدر ساخرة وغير عادلة.

أردتُ أن أصرخ. مهما حميتَ نفسك بالدروع، لن تستطيع حماية روحك.

‫ أحياناً تأتي القسوة من حيث لا تتوقعها.

كثيراً ما يسألني البعض إن كان عملي مع اللاجئين قد زعزع إيماني بالرّب الذي يسمح بحدوث كل هذه المعاناة. الرّب؟ ليس للرّب علاقة بما يحدث. إن كان هناك من يُلام فهُم البشر وليس الرب.

أحياناً، عندما أصير الشخص الوحيد الودود أمامهم، يشعر المرضى وكأني لست فقط طبيبهم، وإنما منقذهم الذي بوسعه استعادة أحبّائهم المفقودين وجمعهم بأُسرهم مرّة أخرى.

❞ لا تستطيع الكلماتُ التعبير عن كمِّ الكرم والإيثار عند زملائي في العيادة. نحن فريقٌ صغير، كلٌّ منّا يلعب دوراً فريداً محورياً. حالات الطوارئ هنا هي العادي، نتعامل معها كل يوم تقريباً. على مدار الخمسة والعشرين عاماً الماضية، فحصنا وعالجنا ما يقرب من ثلاثمئة ألف شخص تقريباً. كنتُ متعباً ذلك اليوم لدرجة جعلت التنفس أمراً صعباً، وشعرتُ بالغثيان، وبضيق في الصدر. أردتُ أن أصرخ. مهما حميتَ نفسك بالدروع، لن تستطيع حماية روحك. هذه حرب، حربٌ لم نسعَ لها، حربٌ نواجه فيها قوى عظمى. يقع في هذه الحرب كل يوم عشرات المصابين، وكل ما بوسعنا فعله هو الانتظار في الخنادق، حرفياً. ❝

شعرتُ أني صرت أداة دون قصد في أيدي هؤلاء الذين يحدِّدون ما الذي يستحق أن يصير خبراً، وما يصير قصة، وما يتحول إلى رمز وقضية