عبدالله خليفة - الأعمال القصصية - الجزء الثاني - عبد الله خليفة
تحميل الكتاب
شارك Facebook Twitter Link

عبدالله خليفة - الأعمال القصصية - الجزء الثاني

تأليف (تأليف)

نبذة عن الرواية

مجموعة «لحن الشتاء» للكاتب البحريني عبدالله خليفة محاولة قصصية تندرج في سياق الحركة الادبية المتصاعدة التي تعرفها البحرين في فترة السنوات الأخيرة حتى يومنا هذا. ولعل حركة المضمون التى ينطوى عليها، هذا الكاتب تشكل الحدث الأكثر بروزا وطغياناً فيه. فالقضية هي قضية معاناة إنسانية عميقة الجذور متشعبة ترسم صيغ الأوضاع الاجتماعية والسياسية والإنسانية والحضارية التى يعانى منها الإنسان كإنسان فى البحرين. وان هذا الامر لا يعبر عنه الأديب تعبيراً مسطحاً أو سريعاً وعابراً. إنما يشكل هاجساً أكبر يتنفس من كل كلمة وحرف وفاصلة. . انه حلم أو هذيان أو جنون ينقله الكاتب إلى اللغة التى تصرخ حيناً وتناجي حيناً آخر وترصد الحركة الوجدانية في كل الأحيان. لكن اللغة التي تحمل هذه الهواجس لا تقف على رجلين متساويتين، بمعنى أنها لغة تتراوح بين السردية المباشرة والحوارية الدائلة، الواقعية حيناً والخيالية حيناً آخر، حتى لتصل احياناً، إلى الشعر وخصوصاً في أقصوصة «لحن الشتاء» حين يتحدث عن اللحن مشيراً إلى أنه «ينبعث من جهة ما، ينطلق الى البيوت والاشجار، يهزها، يجرحها، يسيل دماءها فينطلق الحزن والأسى والعذاب في الطرقات». . أو حين يقول في الاقصوصة ذاتها «اللحن رجل مجنون.. يكلم الجدران والنوافذ».. «اللحن خناجر تنغرز في عظامك» أو حين يقول في أقصوصة السندباد «أمطرت السماء حزناً وغياباً».. حيث تتبين في هذه المعطيات الرقة والانسياب اللذين تتميز بهما في بعض الأحيان. من هنا يمكننا أن نفهم أهمية الأقصوصة في الأدب البحريني حيث تبشر الحركة الادبية هناك بنوع من المستقبل الزاهر الذي ستعرفه هذه الحركة الادبية في الفترات القريبة المقبلة.
عن الطبعة

تحميل وقراءة الرواية على تطبيق أبجد

تحميل الكتاب
5 1 تقييم
14 مشاركة

كن أول من يضيف اقتباس

هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم

  • مراجعات رواية عبدالله خليفة - الأعمال القصصية - الجزء الثاني

    1

مراجعات

كن أول من يراجع الكتاب

  • لا يوجد صوره
    5

    قراءة في أعمال الأديب عبدالله خليفة

    د. باربارا ميتشالاك*

    نشر عبدالله خليفة في عام 1975 مجموعته القصصية الأولى «لحن الشتاء» التي تلامس موضوعات سياسية تتصل بالكفاح من أجل الاستقلال. وفي نفس العام تم اعتقاله حيث بقي في المعتقل مدة ست سنوات. وفي السنوات التالية حتى يومنا الحالي نشر سلسلة من الكتب تتضمن روايات وقصصاً قصيرة.

    وفي البداية ركز عبدالله في تقديم حياة الأشخاص العاملين في البحر، أمثلة من هذا يمكن أن تجدها في رواية «الهيرات» حيث تتركز الحبكة بأكملها حول البحر الذي يمثل العنصر الرئيسي للعالم المقدّم في القصة. فهو من ناحية أولى يمثل شيئاً هاماً هو منح الحياة بينما على الجانب الآخر يمثل قوة تدميرية. الشخصيات الرئيسية في الرواية هي أربعة. رجال وولد يعملون جميعاً لدى تاجر لؤلؤ ظالم وبارد القلب.

    حمدان الذي فقد أباه أثناء العمل في البحر هو الذي يروي القصة حيث يأخذنا خلال مصاعب العمل في البحر التي تشتمل على تجديف السفينة واتباع الأوامر. كمراقب دقيق يظهر الراوي قساوة عالمه المحيط الذي يسيطر عليه الجشع والظلم ضد أولئك الضعفاء.

    يقدم الراوي الاحداث بطريقة ديناميكية جداً حيث العمل في البحر وتجارة اللؤلؤ، فالقارئ لا يصبح فقط متعوداً على العلاقات بل على الهرم الاجتماعي في البحرين أيضاً، يثري ذلك منظور كلي للحيوات الخاصة لجميع الشخصيات الرئيسية ويؤازر كل هذا الأوصاف الكثيرة لشروق الشمس وغروبها، أحداث الارصاد الجوية، والبحر نفسه.

    يواجه القارئ بجرعة كبيرة من المشاعر السلبية منذ الصفحات الأولى في مجموعته القصصية «يوم قائظ» ويتمثل هذا غالباً بالتململ، الغضب، خيبة الأمل والحزن. في قصة «الدرب» التي تفتتح المجموعة يقدم العالم كأنه مبني على أوصاف فنية ديناميكية وعنيفة: "واجهنا حقلٌ من النخل ، جذوعٌ منتصبة بانحناءات مكسورة ، مجموعة من الشيوخ الشحاذين على أبواب الصحراء . . تمدُ أيديها للماءِ ولكن البلدوزر الأصفر يمدُ لها أسنانـَهُ . . تجتاحُ الأعشاب . . يجتاح الأعشابَ والفسائل الصغيرة يقطعها بحدة وقوة ، ننظر إلى الشمس الصاعدة نحو قلبِ السماء ونخفضُ رؤوسنا بسرعةٍ ، إنها تعصرُ القلبَ وتشربُ الدمَ .

    يطعنُ البلدوزر النخلة الشامخة ، تلك التي تنتصبُ في عمق الطريق ، يجأر بالغضب وهي تقاوم بصلابة ، يتناثر ( الكرب ) فوق الأرض وتنتزعُ الأسنانُ تلك القشرة السوداءَ لتصلَ إلى البياض الجميل ، تنحني النخلة قليلاً ، تغوصُ الأسنانُ ، يرهفُ السمعَ إلى الأرض اللامبالية.. تقطع السكينُ الضخمة النخلة فتتهاوى جثتتها بصخبٍ ، ننطلقُ إليها ، نرفعها بسرعةٍ وخفة ونلقيها حيث تجمعت الجذوعُ في مقبرة هائلة".

    ان وصف النخلة وهي تُقتلع يصور العلاقات من ساحة معركة غير متكافئة فالنخلة تنهي مقاومتها للآلة ويصبح الانسان في درجة أدني ويقوم بدور مشغل الآلة حيث يقدم المؤلف صورة عن المعركة التكنولوجيا والطبيعة التي لابد ان تخسر الطبيعة فيها.

    في القصتين المعونتين «أمّاه أين أنت؟» و"الخروج» الشخصيات الرئيسية هي السجناء. ففي القصة الأولى يقدّم العالم واقعاً كئيباً لزنزانة سجن صغيرة: "أفقتُ في الليل . كان الفجرُ وشيكاً . تبينتُ النورَ البازغ في إضاءة شفافةٍ شاحبةٍ تسربتْ غلى النفاذة العاليةِ . الصمتُ ، الهدوءُ ، يشمل زنازينَ السجناءِ والمطبخ وبناية الشرطة العالية المحدقة بالسجن.".

    على الرغم من ذلك حينما نعبر بوابة عقل السجن ندخل إلى عالم أكبر من الذكريات والرغبات التي تمتد على نحو مقرر خلف الاهداف وخلف جدران السجن والجزيرة التي يقع فيها: "أنا كنتُ بلا حلمٍ رائع ، بل ربما رأيتُ فيما يرى النائمُ قبضة تهوى على رأسي . كان فضاءُ الحلمِ ظلاماً شاسعاً ، وكانت ثمة شراراتٌ غريبة تتوهجُ ، كأسماكٍ تتقلبُ في الماء . وكان صوتٌ مألوفٌ يدغدغ ذاكرتي وكنتُ أسبحُ في الظلام بأجنحةٍ وأبكي بصوتٍ خافتٍ.".

    ليس واضحاً من محتوى القصة سبب وجود هذا المعتقل في السجن ونحن حتى لا نعرف أسمه. أفكاره، رغباته وعلى الخصوص معاناته التي يعيشها، ليست جميعاً بسبب ظروف الصرامة لكن بسبب افتقاده لأمه وهو الشيء الأكثر أهمية. سبب الألم هو الوعي بأنها ربما لم تعد هناك حينما يتم الافراج عنه. الراوي الذي هو في نفس الوقت من الشخصيات الرئيسية ينقلنا إلى عالم داخلي عميق. المرور عبر بوابات النفس الانسانية يفتح حقلاً واسعاً للمنظور السري للمؤلف حيث يتوقف عن الاتصال بإطارات المنطق والنتيجة.

    الشخصيات المجهولة التي ترسم صورتها الظلية في عالم بعيد عن الكمال هي كل من الراوي والشخصية الرئيسية في نفس الوقت في كل قصة من قصص هذه المجموعة. كل واقع مطروح هو نوع من السجن لكل واحد من هذه الشخصيات بصورة حقيقية تقريباً. فالمهاجر، في القصة المعنونة بـ«الدرب» يقطع أشجار النخيل من أجل إنشاء طريق جديد في الصحراء، هو سجين مسؤولياته الشخصية تجاه ربّ عمله وعائلته. والشخصية المحورية التي تغادر السجن في قصة «الخروج» يصبح سجيناً للحرية في مدينته الأم التي أصبحت غريبة وغير مألوفة. لم يعد له أصدقاء حميمون أو عائلة وأصبحت التغيرات التي وقعت أثناء وجوده السجن غير مقبولة. إن تقسيم العالم إلي فضاءين، البر والبحر له أهمية. البر جاف وخام وغير لطيف ومحدود كسجن في جزيرة. أما البحر فعلى عكس البر، جميل، أزرق، لا نهائي لكنه غالباً يقدّم كمكان غير قابل للدخول لغالبية الشخصيات المحورية. القصة مليئة بالتشاؤم والايمان بأن الاشخاص الذين كانوا في السجن لديهم صعوبات كبيرة في العودة إلى حالة الحرية الكلية.

    الرواية المعنونة بــ «الضباب» هي محاولة لفهم قلق شخص محاصر بسلسلة من الاحداث المحزنة. الحبكة تعتمد على قصة مأساوية لأحمد ناصر البالغ خمسين عاماً وهو كاتب مثقف مدمن مرضياً على الكتب ويحاول أن يتعامل مع مختلف أنواع المشاكل وهو محكوم عليه بالمعركة المستمرة بين الشدائد التي لن يحفظه قدره المخيف منها. قصته عبارة عن حادثة محزنة تلو أخرى: جريمة، موت، ألم، فقر، جوع، سجن، تعذيب، عدم وجود قوة مميزة، مرض مستشفى وجنون. يحاول أن يستعيد ذاكرته المفقودة بالرجوع إلى الحقائق المختلفة من الماضي بعد إلقاء القبض عليه متهماً بالاغتصاب وإيداعه السجن. ذكرياته تأخذه إلى الوراء إلى طفولته حيث يتذكر الحياة تحت سقف زوج أمة الذي تحوّل من بيت إلى جحيم للسكن. الشخص الايجابي الوحيد في حياته في ذلك الوقت كان جدّه الذي أخذه ورعاه رعاية فائقة. يحاول أن يتذكر ماذا حدث حقيقة لكنه يفتقد إلى المفتاح لكي يفتح به ذاكرته. يتذكر كيف قضى فترة في مستشفى الامراض العقلية الذي لا يريد أن يتركه منذ أصبح في الواقع لا مكان له للذهاب إليه.

    يترك المستشفى ليذهب ويعيش في شقة متواضعة. يبدأ في غسل السيارات وإزالة المخلفات من البراميل ليكسب عيشه. يقيم علاقة مع مومس محلية حيث تقوم برعايته كأنها أمه. نعرف عن قصتها المأساوية بالإضافة إلى قدر متشردين يمران على شقته بالصدفة. ويوجز المؤلف قصته بجملة مقتضبة مفادها أن العالم ليس له ضمير.

    ذاكرته تعود به إلى الفترة التي عمل فيها كمحرر في دار نشر. هناك قابل حبيبة حياته التي تركته لاحقاً مع ابنتهما بسبب صعوبات مادية. وبينما هما يدخلان السيارة يقتلان في الموقع وبذلك الحدث تنتهي حياته حيث يقول إنه لم يبق شيء هناك في البيت عدا الأشباح.

    عنوان الضباب هو موتيفة متكررة في القصص ويرمز إلى النسيان، الصورة المبهمة منة حياة الشخصية الرئيسية، إنه عنوان بارد، كثيف ومرتبط بالدلالة المنذرة بالموت.

    سوء الطالع تسبب في أن يحصل أصدقاؤه على المال والمكانة الاجتماعية بينما راح هو يغسل سياراتهم الفخمة. إنه يتمرد على هذا الواقع وعلى نفسه ويسخر من حياته بالقول إنها علّمت المجانين بجيوب خالية وحياة قد انتهت كما يكشف عن الحقيقة القاسية بأنه الآن لا شيء سوى حيوان. وكنتيجة لذلك تحضر الشخصية الرئيسية إلى مكان اعدامها وسط هتاف حشد متجمع. مرة أخرى تقدم حقائق حياته, في هذه المرة في اطار حلم سحري غير منطقي وليس من الواضح فيما إذا كان أحمد ناصر مذنباً بارتكاب جريمة أم لا.

    قصص مجموعة «سهرة» يمكن تقسيمها إلى مجموعتين، الأولى تشمل قصصاً تنتهي برسالة فلسفية وسوداوية كما في قصتي «خميس» و«قبضة تراب». المجموعة الثانية تشمل قصصاً أطول تطرح في نغمة كئيبة ومعظم شخصياتها الرئيسية أطفال تعرضوا للأذى من قبل العالم وأستغلهم البالغون. وعلى سبيل المثال قصص «هذا الجسد لك» و«هذا الجسد لي» و«أنا وأمي». تتصف هذه القصص بالوصف الكامل، الغموض والاشكال الفنية المستخدمة تعطيها لحناً شعرياً.

    تظهر النساء في هذه القصص وهن يخزين شرف عائلاتهن بسلوكهن كما في قصة «أنا وأمي». إن سوء سلوك الأم يصبح عذاباً وهوساً. ذلك يجعل البطل يفقد رشده بالرغم من حقيقة أن أمه تعيش بعيداً عنه ولم تعد تتدخل في حياته. إنه مجنون بالرغبة في قتلها وتخليص نفسه من خزيها فيخضع كل حياته لهذه الرغبة. على إثر ذلك يعذب حياة أخته أيضاً خوفاً من اتباعها خطوات أمها. النتيجة هي مناقضة للمرغوب فيها فتقرر الأخت أن تكون أقرب إلى أمها وتحرر نفسها من استبداد أخيها. وتصل الحبكة إلى ذروتها حينما يضرب البطل أخته لأنه عثر على حمرة شفاه نسائية خاصة بها. "أبحثُ في متاعها ، أجدُ (روجاً) كانت تخفيه في قعر الحقيبة . أوقظها ، تـُذعر ، أصبغُ وجهها بالروج ، وكأني أحفر بالدم ، كأني أكتبُ بالنصل غير المثلوم.

    كانت تصيحُ:

    - أرحمني يا أخي !".

    في قصة «هذا الجسد لي» يعطي المؤلف وصفاً تفصيلياً لأحداث طفل صغير يتم ختانه حيث إنه لم يُخبر سابقاً أو يكون واعياً بما تنطوي عليه عملية الختان، فيشعر بالاستياء تجاه أبيه لعدم تهيئته نفسياً لهذه التجربة. كما يتعرض الطفل أيضاً لعملية اغتصاب بالقوة خلال حفل زواج أخته.

    أعتقد أن هذا الشيء يمكن أن يكون خاضعاً لحكم عامة الناس حول مشكلة الشذوذ الجنسي بالإضافة إلى إرغام الأطفال لدخول عالم البغاء. تجارب الأطفال والجرح المملوء بالأسى فيما يتعلق بالخيانة الزوجية لأحد الأبوين تم تصويرها في قصتي «هذا الجسد لي» و«أنا وأمي».

    "أودُ أن أصرخ، والرجلُ الأصلع دفن رأسه في صدر أمي، وهي ألقت بنفسها على الكرسي ، دون أن تتفوه بكلمة!".

    يبدو أن الشخصية المحورية في تقديم قصته تبدأ بالصراخ: هذا ليس جسدي.

    وفي العديد من القصص فأن أوصاف الهذيان شبه الواعي والتنبؤات المرضية هي صور لما يراه البطل وهو يبالغ في وصف عقل طفل مريض. وتبدأ حدود الأشياء في أخذ شكل شيطاني فيصبح كل شيء مشوشاً او متعدداً ويرتفع الجسد ويسقط إلى المنحدر. فمن ناحية يكون الرجل واعياً للحرارة المرتفعة والعرق الغزير الذي يغمر جسده بينما من ناحية أخرى يشعر كما لو أن جسده قد انفصل عن عقله وروحه.

    هذه الأوصاف معقدة جداً ومملوءة بالاستعارات ويبدو أن المؤلف مفتون بما يحدث للأشخاص حينما يفقدون السيطرة على اجسادهم وعقولهم.

    "امتلئ بالعرق والبخار الساخن ، أمسكُ سريري بأظافري ، ثمة أطيافٌ من النار تتراقصُ حولي . جسدي يدغدغهُ ثعبانٌ كبير ، وأنا أركضُ في العتمة والضباب والعواء ، أعبرُ مستنقعاتٍ من جمرٍ وضفادع وفحيحِ رجال .

    اتقلبُ على الفراش ، أودُ أن أعبر تلك الظهيرة المشتعلة ، أن أتخلصَ من جسمي ، وأذوبَ ، أقفز هذا البيت ، وصراخ الرجال في القاعة ، ضحكات أمي التي تفتقُ ضلوعي ، أصيرُ فراشةً في حقلٍ ، أو ناسكاً في كهف ، أموت ، أتحولُ إلى ظلامٍ أبدي ، أرفرفُ نحو السماء ملاكاً".

    في كثير من الفقرات يتملّك المرء شعور بأن المؤلف يؤكد بصورة متقنة على قبح وعدم توازن الحالة العقلية للشخصيات الرئيسية. "هناك أنا مسجى ، بركة من العرق ، والشعر الغزير، والأصوات الغريبة التي تناديني".

    يبني المؤلف جملاً مملوءة بالاستعارات التي تعرض صورة للجنون.

    وعبدالله خليفة لا يدين شخصياته الرئيسية. وهو لا يعبّر عن رأيه تجاه تصرفاتها وخططها ومشاعرها بالرغم من أن قتل أم إحدى الشخصيات هو أسوأ الجرائم جميعاً. فالأم، مهما كان سلوكها، تحب ابنها وتساعده في الخروج من السجن، وتعتني به وتطعمه حينما يكون مريضاً. السجن كان عقاباً لإشعال النار في البيت وتضرر الأشخاص الموجودين بداخله. يعرف القارئ القصة بأكملها حسب وجهة نظر الشخصية الرئيسية: الاتهامات والجنح الموجهة إلى أمه. نهاية القصة مفاجئة نوعاً ما ففي حين يبدو أن لا خلاص للولد المريض الممتلئة روحه بالحقد وأن هوسه سوف يقوده إلى جريمة شريرة، نجد أن هناك، داخل أعماق روحه، مشاعر وعواطف دافئة تجاه أمه. وأخيراً تأتي لحظة المصالحة: "يتقاربُ رأسانا المهزومان . تختفي في صدري"، هذا بلا شك تأكيد أن المشاعر والعواطف الايجابية، بالإضافة إلى الحب الحقيقي، قادرة على الانتصار على الأذى، الجرح، والحقد وإنه ليس متأخراً أبداً العثور على الحب في ثنايا قلب المرء. وسوف تبقى الأم أماً فوق كل شيء آخر، وسوف يكون الحب تجاهها دائماً اقوى من الكراهية.

    العنصر الرئيسي الذي يظهر في غالبية قصص مجموعة «دهشة الساحر» هو المستقبل الذي ينزع بالفرد تجاه التأملات والبحث المستمر عن الهوية في مواجهة واقع اليوم الحالي فليس من المصادفة أن تفتتح المجموعة بقصة عنوانها «طريق النبع» التي يؤكد فيها المؤلف بوضوح على رأيه في المستقبل. طريق النبع هي ذكرى للطفولة، أيّام التعرّف على العالم وكل ثرواته وأسراره بطريقة مبهجة. يرسم المؤلف لوحة شعرية جميلة للقرية العربية. مكان محدد هو النبع، لا يعطي الحياة فقط لأشجار النخيل المحيطة، بل إلى الناس أيضاً. مناخ التفرّد لكل من المكان والوقت تم التأكيد عليه بواسطة الطقوس التقليدية التي يؤديها والد الشخصية الرئيسية. هذه اللوحة الشاعرية للماضي تصطدم بالوعي بأن كل هذا قد ذهب بلا عودة، كما ذهبت العشرون سنة من حياته حيث يتذكر بألم وحسرة كيف أراد أن يتوقف الوقت في هذا المكان بالتحديد. بصورة نوستالجية للطفولة يصنع تعارضاً واضحاً مع الأوقات المعاصرة حيث لا مجال للسحر أو الأسرار أو الاتصال القريب مع الطبيعة. الناس غير قادرين على التعلّم من الطبيعة والعيش بانسجام معها لكنهم يغلقون أنفسهم داخل حيواتهم المصطنعة. وتربط الشخصية الرئيسية بين ماء النبع القديم وقوة إعطاء الحياة والحكمة. لذلك فإن الطريق إلى النبع يعني الطريق لكي يجد المرء جذوره واستخراج الثروات منها. هذه هي الطريقة التي يحاول بطل قصة "دهشة الساحر» أن يعيش فيها. هذا الرجل كرّس حياته كلها لاكتشاف أسرار الطب الطبيعي. سافر إلى جميع أنحاء العالم وسأل الله والملائكة والنجوم أن يعيدوه إلى ارضه. ما تعلّمه طوال رحلته الطويلة امتد وراء الصورة الملازمة للحقيقة. كان مملوءاً بسائل مضيء يجعله يعيش بين السماء والأرض. استفاد الساحر من معرفته للخير للآخرين حيث أن في هرمة الاجتماعي يمسك الانسان بالمركز الأعلى. هذا الشيء له علاقة بتاريخ الأطباء البارزين الذين هم في نفس الوقت فلاسفة وسحرة كابن سيناء والرازي.

    لا تخلو قصص مجموعة «دهشة الساحر» من الاشارات إلى شخصيات معاصرة كالخميني. ويفحص المؤلف هذه الظاهرة في قصة «الترانيم» حيث يقدّم الشخصية الرئيسية كرجل ذي موهبة متميزة في تأليف الترانيم التي تساعد الناس على إيجاد معنى وجودهم.

    هناك شيء ما بداخله يسمح لنا بأن نرى العالم بأكمله في عينيه: الغابات، الأفق، المدن، والخلود. كل واحد ينتظر بتعطش ليسمع ترانيم إضافية رائعة تجعل الواقع المحيط بهم يتغير. من القصة نستطيع أن نرى كيف حدث هذا في إيران حيث أُعطي رجل بسيط ومريض التبجيل الأقصى.

    أما قصة «نجمة الصباح» فتظهر كيف يؤثر الماضي في شخصية الانسان. فالشخصية المحورية وهي رجل عمل صحفيا بجريدة كبرى مدة 32 عاماً يتذكر مناخ العمل الذي ساد قبل وفاة مالكها بحنين إلى الماضي. إنه لا يستطيع أن يجد نفسه في الواقع الجديد تحت إدارة ابن المالك الذي لا يهتم إلا بمصالحه الخاصة. هناك تناقض شديد بين المالك الحالي والمالك السابق للجريدة. إن تغيير النظرة إلى العمل وكذلك إلى الموظفين هو علامة واضحة على مجيء نظام جديد.

    ففي الماضي كان العمل بالنسبة لهذا الصحفي أشبه بالمهنة المقدسة، حيث يمنحه الاحساس بالإنجاز الذاتي. إنه غير قادر الآن على التكيف مع البيئة الجديدة ولذلك يقرر تدمير مصدر المشقّات التي يعانيها. غضبه موجّه نحو المالك الجديد الذي يقتله في نوبة غيظ شديد. وفي الوقت اللاحق، يقف البطل بلا حيلة تجاه الماضي المتصادم مع اللحظة الحالية.

    هذه الموتيفة تستمر في المجموعة القصصية التالية لـ عبدالله خليفة واسمها «جنون النخيل».

    كما يرى القارئ. إنه من الصعب للمؤلف أن يكون على وفاق مع التغيرات الاقتصادية والعمرانية المستمرة. ويبدو هذا جلياً في قصة «النوارس تغادر المدينة» حيث يقول: "الآن هو غريب في المدينة. لا أحد قربه. سوى الطيور والمشترين وركاب الباصات الذين لا يرون وجهه.

    لم تكن ثمة نوارس في الساحة.

    كانت بشعة، ومملة. المارة الغرباء لا يلتقون إلا للافتراق. الوجوه تتبدل دائماً بسيول من السحنات واللغات.

    كان يحدق في الطيور العابرة، يسأل عن رحلاتها المستمرة في الكون. أسراب بعد أسراب وهو يتآكل ويتأمل، رجله المقطوعة سلسلته في اللعبة الخشبية: بدلاً من جناحي الحلم، فقد المشي".

    حتى النوارس المذكورة في العنوان غير قادرة على التكيّف مع الواقع الجديد. إنها تعاني شحة الفضاء والحرية والبحر المانح للحياة بينما الأشخاص الجالسون في بيوتهم الفخمة، أمام بركة السباحة وهم يشوون اللحم على النار، يطلق عليهم ضحلين ومعاقبين من قبل البحر الذي يفيض ويغمر محطة الكهرباء الساحلية، ففي قصة «جنون النخيل» يقول: "إن الماء يهز الأعمدة والساحل كلّه يتقلقل ويأكل الرمال". كما نقرأ أيضا عن العواقب المأساوية للبيئة الطبيعية كنتيجة لتطوّر المدينة. فالعمال يثبتون الأنابيب وسط البساتين ويرمون عشش الطيور في براميل المخلفات ويقطعون أشجار النخيل التي هي جزء أساسي من طريقة البحرينيين في العيش. ففي نفس هذه القصة يرد ما يلي: "كانت النخيل ذوات وجوه آدمية، متكلمة، متجهمة، تتغلغل جذوعها في مياه البحر، وتبدو كقطيع واسع من المردة المحبوسين".

    على الرغم من ذلك يهتم المؤلف كثيراً بالتقاليد التي لا تدحض تقدّم الحضارة بالكامل وقد انعكس هذا في المجموعة القصصية «سيد الضريح». فلعدة سنوات درج عبدالله خليفة على كتابة ملاحم عن تاريخ البحرين ومنها رواية «الينابيع» التي تعود إلى بداية القرن العشرين حتى الالفية الجديدة.

    شخصيات تاريخية عديدة ومن بينها حكّام البحرين وكذلك مواطنوها، الحاكمون البريطانيون وآخرون، بالإضافة إلى حقائق من التاريخ المعاصر للبلاد، خصوصاً اكتشاف النفط الخام في الثلاثينات، والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أحاطت بهذا الحدث، كلها يمكن أن نجدها في هذه الرواية.

    العالم المقدّم في قصص وروايات عبدالله خليفة مليء بالتأملات والأفكار الشخصية علاوة على التجارب والمخاوف والأمور المقلقة. الحياة حافلة بالكفاح ضد القدر والنضال من أجل العيش والمشاكل والخلافات الداخلية. الناس يكافحون بصورة مستمرة ضد الحواجز التي هي نتيجة البيئات المحيطة والتي تشكّل النفس والروح. ومهما كان تعقيد خط القصة فإن المؤلف يريدنا أن نفهم أن هناك قيماً أعلى تمنح الانسان القوة للقتال ضد كل الكوارث والظروف المعاكسة التي سيجلبها القدر. هذه القيم هي متع الحياة والقدرة على رؤية الجمال في العالم والعيش بانسجام مع الأشياء المحيطة، واحترام التقاليد، والحرية، والحب والأمل.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    * الدكتورة باربارا ميتشالاك، استاذة الأدب العربي بجامعة جاجيلونيان في بولندا، والمهتمة بالأدب العربي

    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
المؤلف
كل المؤلفون