تدور الفكرة الرئيسية للكتاب حول "سنة الأولين" وهي ما ذكرت مرارا في القرآن الكريم من باب تذكير المسلمين بما حدث مع الأمم الغابرة لأخذ العبرة ويرى الكاتب أن المسلمين كغيرهم مروا ويمرون بسنة من كان قبلهم وهذا يشمل عدة مواضيع كتفسير آيات الله او اعتماد أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام إضافة إلى مسألة التدين ومدى وطبيعة التزام المسلمين بتعاليم دينهم.
ما أعجبني في الكتاب هو الجهد البحثي الكبير والمضني الذي قام به الكاتب في اثبات حجته بغض النظر إن كنت أتفق أو أختلف مع بعض ما جاء به ولكن جهده واضح وأعتقد أنه من النادر جدا أن نجد كاتبا يقوم بكل هذه الأبحاث ويطلع على كل تلك المصادر من أجل تعزيز حجته وتقوية برهانه.
يقترب ابن قرناس من مواضيع تعتبر من "المحرمات" لدى مختلف الفرق الاسلامية لا سيما موضوع الحديث النبوي واعتماده كمصدر للتشريع ولتفسير القرآن الكريم مستدلا باشكاليات متعلقة بسند بعض الأحاديث ومتن بعضها الآخر مستدلا بكتب شهيرة في عالم الحديث ورجال الحديث وهو ما استفاض به سابقا في كتابه الحديث والقرآن.
يحاول ابن قرناس ايضا اعادة تفسير بعض آيات القرآن الكريم ويقارنها بتفاسير السابقين بحجة قوية ومنطق مقنع ويعيد في هذا الطريق قراءة أحكام فقهية وحدود يعمل بها حاليا في مختلف بلاد الاسلام وفي مختلف مذاهبه ليوضح بانها تعارض شرع الله الوارد في القرآن وتزيد عليه أو تنقص وهو ما يخرجها عن الصواب.
الكتاب جريئ في طرحه وأعتقد أنه من الكتب القليلة جدا التي تناقش ما اعتدنا على أنه "مسلمات" بموضوعية قد لا تعجب البعض وربما تخيف البعض الآخر.
الكتاب على الرغم من كبره يساعد على طرح الأسئلة بطريقة جيدة ويحتاج من القارئ للصبر وسعة الصدر لتقبل آراء لم يعتدها ولم يتوقع في يوم ما أن تسأل بهذا الشكل الصريح والقوي
يتكلم الكتاب عن:
(الدين)
- الدين يسبق الخرافة والاسطورة، وليس العكس كما يقول علماء تاريخ الاديان.
- القصص والاخبار التي نسجت عن الرسول من ابتداع القصاص ولم يعلم بها الرسول.
- كتب اليهود والنصارى وان كانت في العصر الذي بعث فيه الرسول بصفتها التي هي عليه الان، الا انها لا تمت للتوارة والانجيل بصله، لأنها كتب تاريخية ألفها البشر، وهي تماثل كتب السير والتاريخ لدى المسلمين.
- الأديان كلها عبارة عن نسخ منقولة من النسخ الأصلية المحفوظة في اللوح المحفوظ.
- جميع الاديان الموجودة اصلها إلهي ولكنها تحورت مع الزمن.
- وحدة الاديان ليس فقط في التشريع ولكن في النصوص، ولو وجدت نصوص اصلية من اي ديانة فستبدو وكأنها آيات قرآنية مترجمة الى لغة اخرى.
- من العدل الإلهي ان تكون الاديان كلها متماثلة في التشريع وفي نص الوحي المنزل.
(موقف الناس من الدين عبر العصور)
- تقريبا كل االديان الموجودة على وجه الارض كانت في الاصل ديانة سماوية جاء بها رسول من رسل الله، ولكنها تحورت مع الايام بواسطة اتباعها.
- كل البشر على مر العصور والازمنة، السابقة واللاحقة لهم مواقف ثابتة لا تتغير من دعوات الرسل والدعوات التصحيحية للدين، سماها القرآن سنة الاوليين، وتمر باربع مراحل.
- الاغنياء والزعماء ورجال الدين يقودون بقية الناس للوقوف ضد دعوات الدين التصحيحةفي كل مكان وزما.
- كون الرسول او الداعي للتصحيح الديني بشر من عامة الناس من اهم الاسباب التي من اجلها يرفض الناس العودة الى صافي الدين، اضافة الى صعوبة التصديق بالبعث وحب التمسك بالموروث وكون الدين كل لا يتجزأ وحب الشهوات والملذات.
(موقف بني اسرائيل من الدين)
- نو اسرائيل ذكرهم القرآن الكريم كمثال حي على عدم بقاء الناس على الدين وتحولهم عنه الى معتقدات من صنع البشر.
- لم يتبع موسى ويخرج معه الا قلة قليلة منهم، اما البقية ففضلوا حياة السخرة تحت حكم فرعون على اتباع موسى.
- غالبية من خرج مع موسى لم يؤمنوا برسالته ولكنهم تبعوه بحثاً عن اوضاع معيشية افضل.
- بعد نجاتهم من فرعون سرعان ماتحولوا عن دين الله وموسى بينهم.
- بعد وفاة موسى تعاظم حولهم عن الدين الى تشريعات ابتدعها لهم رجال دينهم.
- الارض الموعودة لليهود كانت بُعيد خروجهم من مملكة فرعون، وكان مطلوباً منهم ان يُخرجوا اهلها الكفار منها، ولكنهم لم يفعلوا فحرمهم الله منها الى الابد وكتب عليه التيه (التجوال) اربعين سنة كعقاب لهم.
- بسبب ترك كتاب الله واتباع تشريعات بشرية عاقبهم الله بعقوبات مستمرة منذ عهد موسى الى اليوم، فسلطت عليهم القوى الخارجية، وشتتوا في بقاع الارض وكرهتهم الشعوب، ولم يُهلكوا بحادث واحد كما حدث للأمم السابقة.
(محمد الإنسان والرسول)
- كتب الاخبار تصور الرسول بصورة خرافية متطرفة، فهو تارة لا يعرف ماذا يفعل، وتارة اخرى وكأنه خلق من طينة غير طينة البشر، بحيث يعرف من كل علم اكثر مما يعرف عنه المختصون فيه.
- بينما صوره القرآن الكريم على انه بشر سوي لا يختلف عن الناس الأسوياء ولا يزيد عنهم بشئ، ويجري عليه كل مايجري عليهم من مشاعر واحاسيس إنسانية، ولكنه اكثرهم مسئولية امام الله بحكم كونه مسئولاً عن تبليغ رساله ربه للناس.
- كل رسل الله السابقين كانوا من أولي العزم، اي الصبر على شدائد التبيلغ، لأنهم جميعاً قد خضعوا لبرنامج تأهيلي إلهي جعلهم قادرين على تحمل المصاعب والعنت الذي واجههم الناس به طوال فترة دعوتهم، ومحمد بن عبدالله لم يكن بدعاً من الرسل.
(موقف الناس من دعوة محمد)
- اليهود قدموا الى يثرب اولاً وقد يكونون هم من ادخل زراعة النخيل اليها، ثم قدم الأوس والخزرج وعملوا كأجراء لليهود في مزارعم.
- أسلم الأوس والخزرج لأنهم كانوا يمثلون الضعفاء والمضطهدين، وقد تأخر بعض زعمائهم لأن لهم مصالح ظنوا انهم سيفقدونها لو آمنوا، ودخل بعضهم الاسلام دون ان يؤمن به واستمروا على حالهم من إظهار الإيمان وإبطان الكفر حتى ماتوا.
- لم يؤمن اليهود بدين الإسلام، ولم يكن من المتوقع ان يؤمنوا، لأن اليهود كانت لهم مصالح دنيوية وكانوا يمثلون الكبراء، والكبراء لا يؤمنون بدعوات الرسل بناءً على قانون سنة الأولين الذي سارت عليه الأمم منذ وجدوا على الأرض.
- وبناء على قانون سنة الأولين ايضا كانت الخاتمة للرسول ومن آمن معه وتم سحق اليهود ونفيهم من الأرض لأنهم شاقوا الله ورسوله وسعوا في الارض فساداً عندما عملوا على حياكة المؤامرات ضد المسلمين والسعي على القضاء للإسلام وليس لأنهم لم يؤمنوا.
- تم إجلاء اليهود من يثرب في ثلاث مناسبات، ولكن القرآن يخالف كتب الأخبار في تاريخ تلك المناسبات وما حدث فيها.
- نزح بعض من يهود يثرب بعد جلائهم الى خيبر واستمروا يحيكون المؤامرات ضد الاسلام والمسلمين، مما تسبب بغزو خيبر.
- لم يحدث قتال بين اليهود والمسلمين في خيبر، لأن اليهود نزلوا على حكم المسلمين الذين حاصروها، فاجلى منها من نزح اليها من يهود يثرب، وفرض على يهودها الجزية لأنهم نقضوا عهدم مع الرسول.
غزوة تبوك كانت لملاحقة فلول يهود يثرب الذين استمروا في مؤامراتهم ضد المسلمين، ولم يحدث بها قتال، لأن اليهود قد غادروها قبل ان يصلها جيش المسلمين.
- المنافقون بقوا في المدينة بعد وفاة رسول الله، وان خرست ألسنتهم في آخر ايامه عليه الصلاة والسلام.
- كتب السير والتاريخ والحديث وغيرها من كتب الاخباريين تجنت كثيراً على الرسول عليه الصلاة والسلام ونسبت إليه من الافعال ما لا يعقل.
(قريش)
- كان المجتمع القرشي مجتمعا نبيلا امنا وعاش بعيدا عن الحروب والغزوات التي تعصف بقبائل الجزيرة العربية.
- وكان للقرشيين منزلة خاصة تقرب من التقديس في عيون سكان كل جزيرة العرب، بحكم كونهم سدنة الكعبة والقائمين على امر الحج.
- كانوا القرشيون يعتبرون انفسهم ورثة دين ابيهم ابراهيم، ويظنون انهم يدينون بدين الله الحق.
- كان القرشيون سادة حازوا الشرف والجاه والسؤود، وتبعاً لقانون سنة الاولين فلم يكن من المنتظر تن يؤمنوا بمحمد، حتى لا يخسروا تميزهم وميزاتهم.
- ولم يؤمن بالرسول سوى قلة من العبيد والموالي والمستضعفين.
- ولو بقي محمد في مكة 1000 سنة فلن يؤمن به الا من قد آمن، وان انضم للمسلمون نفر قليل بعد ذلك، ممن كانوا يتطلعون الى اوضاع افضل مع المجتمع الاسلامي من اوضاعهم في قريش.
- مثل قريش كانت هوازن، حيث سخروا من محمد لما ذهب اليهم في الطائف يدعوهم الى الدخول في الاسلام، وكذلك كان موقف زعماء القبائل الذين كانوا يحضرون في المواسم الى مكة.
- وقد أهلك الله سبحانه كبراء مكة، فبعضهم مات في الحروب مع المسلمين، وبعضهم مات ميتة طبيعية، والبقية منهم استسلموا لقوة جيش الدولة الاسلامية يوم فتح مكة، فقضي على قوة كبراء قريش الى الابد.
- كما على قوة كبراء هوازن وثقيف بعد معركة حنين، وإذعان زعمائهم لحكم دولة الاسلام بوضع مشابه لإذعان القرشيين.
- ولما ظهرت قوة دولة الاسلام سارع زعماء القبائل في جزيرة العرب الى الحضور للمدينة لتقديم الولاء والدخول تحت سلطتها دون ان يلامس الايمان قلوبهم.