#ريفيوهات
"عين سحرية.....كاميرا داير، وخطوط الذات"
"قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولفقتُ قلبي بالظنونْ
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ
أنا من أكون؟
والريحُ تسأل من أنا
أنا روحُها الحيران أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نمرُّ ولا بقاءْ
فإذا بلغنا المُنْحَنى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ"
-نازك الملائكة
-مهما اختلفت ألوان القصائد وزمنها، تتجه في أبياتها أو تفعيلاتها لنسج صور حية مليئة بالحركة للقارئ أو السامع. إما تتمثل أمامه رأي العين فتجذب انتباهه "كما تلك المقطوعة بتشريحها الذات" وإما تداعب وجدانه، تقلبه بين الحماسة حينا "كبيت كجلمود صخر حطه السيل من علٍ" والتأسي أحيانا "كبيت تساقط أنفسا تساقط در من نظام بلا عقد"، ومن تلك الصور تتشكل نافذة "أو شراعة قصيرة" متبادلة. يري الشاعر منها بعضا من مزيج لا يستطيع الحديث عنه صراحة، ويكون في مرمى الرؤية إن كانت واضحة مميزة "كالفتق البين"، وكانت بسيطة مفهومة لتدور أخيلتهم في إحياءها.
❞ كل حي كبير رفا أو اثنان على الأقل يحتاج الرفا إلى ممر بين بنايتين أو بين محلين، مجرد زنقور أو زخنوق يعمل وهو جالس عند بابه ينحني فوق قطعة القماش المقطوعة أو يقربها من وجهه ويعيد نسج الخيوط المقطوعة ورفو الحواف للداخل❝
-من قصة استعادة هليوبوليس
-وواقعنا شديد التزاحم بالمشاهد والمتغيرات والآثار، والناس غارقون فيها بين مستسلم متأثر يعيش على ظلال وهمية "كابتهاج الشخصيات في قصة تسلل منظم"، وبين مقاوم وحيد بمشاعر هشة "كهشاشة العندليب في قصة تسلل منظم أو الراهبة في قصة استعادة هليوبوليس " يريد أن يعمق أثره وذكراه، ومنه تتنوع الصور، ففي الأولى نرى صورة بانورامية يكون الزمن فيها المحرك الوحيد، وفي الثانية نرى منها -جزاء المقاومة كما في قصة بيت يبحث عن سكن- تقارب بين المشاعر الهشة وبين العالم، فنرى مشاهد يديرها الكاتب غنية تكون أشد صدقا للقارئ.
- ومنه برعت تلك المجموعة بصنع زاوية- في رأيي -مختلفة للتجربة الذاتية، تتنقل من خلالها في لون السرد "بين الفقرة الأولى وباقي الفقرات في قصة استعادة هليوبوليس " وحجم القصص، حتى في تفصيل الشخصيات، كمصور يدور بعينه الأثيرة ثم يقص ما يراه مشوها من جراء الزمن "كقص ميكي للأشرطة التالفة"، ثم يرفو تلك المشاهد والنقاط المتشابهة والمتتامة ليظهر إلينا فيلما متكاملا، تكمن عظمته من بساطته
--الضوء "عن تكشف الأشياء"
❞ طراوة الصباح في نهاية الشتاء ولسعة برد خفية وضياء الشمس يغمر الساحة السوداء والسيارات تقف طابورًا على مدد الشوف. ❝
من قصة الوجه الآخر
-من خلال قصة أنتيجون ومأساتها التي استدعتها البطلة في قصة استعادة هليوبوليس أو فيلم دعاء الكروان في قصة شرع المحبين، فإني أجد ما يميز أصحاب التجربة -أو من يقاومون الزمن من عدمهم بالتحديد- الرؤية الفريدة، رؤية تحمل إضاءة شديدة تتكشف منها الأشياء والأحداث، يستطيعون منها رؤية الأحداث بشكل مفصل ليس فيه تشوش أو غموض، ومنه تنفتح خزانة الأسئلة وتتداعى من رأس الرائي إلى قلبه.
- وبذلك تنشأ روابط متشعبة عديدة سواء بين الزمن والذكرى "بالحديث عن الاستيريو والسي دي في قصة استعادة هليوبوليس" أو بين البشر "كصورة الأب والابنة في قصتي الوجه الآخر وفي انتظار أن يموت أبي" أو حتى بين الأحداث بالقديم والجديد "ضمنيا بتحليل أغنية "في يوم في شهر في سنة" الراحل عبد الحليم حافظ في قصة تسلل منظم، أو تصريحا في تساؤل الكاتبة عن تغير الناس والإشارة لمتغيرات الثمانينيات في قصة استعادة هليوبوليس " ورغم تحفظي لبعض النقاط فيها، إلا أن الروابط جاءت في محلها كنقطة بداية للأحداث.
-وعلى مدار القصص لونت تلك النظرة اليوميات والمشاهد العابرة بطريقة تجعلها قابلة للتشكل مع الذات في نقطة ما "كما تلعثم الابنة في الحساب في قصة في انتظار أن يموت أبي"، وتدور بها لتظهر أمامنا لقطات يتبادل فيها المعنى الظاهري والمتواري موضع البطولة "كما في قصة شرع المحبين وأحاديث الفتيات في قصة استعادة هليوبوليس عن الحب والتسابق فيه" أو ينصهرا معا "كما في شفرة المرآة بين الوجود والعدم أو بين النصر والهزيمة المستدعاة في مسرحية كارمن في قصة في انتظار أن يموت أبي وفي نظرة البطلة عن الخمر والألم في قصة سبعة عشر نوعا من الألم "، وفي كل تغطيه لحنا وادعا حزينا يمثل الذات الرائية، تقتسمه بدورها مع الأرواح الهائمة في القصص كهنادي في كروانها "شرع المحبين " أو ذات الكاتبة في غربتها "استعادة هليوبوليس ".
--مونتاج "عن الإطار المقيد وتقسيم الذات"
❞ النور يؤلم عيني وطبول في رأسي: شو بنا، شو بنا، يا حبيبي شو بنا. هو ده وقت فيروز، مفيش دم؟! وماذا أصنع للألم الذي تحول لمكعب هائل من الفوم يقف حائلًا بيني وبين أمي؟ ❝
من قصة سبعة عشر نوعا من الألم
-وحين تتوثق تلك الروابط تشكل خطوطا قوية بإمكانها أن تعزل الشخصيات وتفصلها عن محيطها، فتتجلى مشاعره بفضل الوحدة لتظهر بحجمها الحقيقي أمام الفراغ الهائل، وعليه فإن نظرة الراهبة المستاءة لوجود البنات في الغابة "قصة استعادة هليوبوليس " منطقية لإفسادها الوحدة ونضج تلك المشاعر
❞ تعود الصور نفسها بنفس الترتيب. لكنها لا تكف عن الضغط على الزر ومراقبة الفاصل الأبيض الذي يمر مرورًا خاطفًا بين كل صورة والصورة التالية لها. ❝
من قصة استعادة هليوبوليس
- وبفضل تلك الخطوط تستطيع فيها الشخصيات -إذا نظرنا إليها نظرة شاملة" تجاوب الأفكار الخاصة وتصارعها في سجال خفيف، سواء بين الذات لأن من الممكن عدم استيعابها في شخصية واحدة فجعلت في الفقرة الثانية من قصة استعادة هليوبوليس في رأيي تقسيم المشاعر بين شخصيات "خالد" الثلاثة" أو بين الآخرين وهنا يمثل الزمن الطبقة العازلة "كما في التباين بين الأب والابنة وبينهم وبين الزمن في قصة الوجه الآخر، أو في بين الألم للأم والسكرة للابنة في قصة سبعة عشر نوعا من الألم، أو حتى بين النظرة العادية لمشاهد الذبح والنفور منه في استعادة هليوبوليس، ومنه -بالإضافة للعزلة بين الأمور البديهية كالبطيخة وطفوها في شرع المحبين أو الصحة والتمشية في قصة استعادة هليوبوليس- تصنع الحركة والحياة لتلك المشاهد، ومنه تكتمل أمامنا صورة متكاملة للتجربة
الخلاصة: عمل لطيف جدا، أعجبني فيه تأملاته وأفكاره رغم تحفظي في بعض منها، لكنها أجادت في صوغ التجربة بشكل منظم أقرب ما يكون للمشاهد السينيمائية في رأيي
