تجديد جورج أورويل : أو ماذا حدث للعالم منذ 1950
نبذة عن الكتاب
"كانت كراهية «جورج أورويل» مُنصبة على نظام - أيًّا كان لونه الأيديولوجي - لا يجد الفرد فيه مهربًا من استعباد التكنولوجيا الحديثة. هذه التكنولوجيا الحديثة لا تتمثل فقط فيما لدى أصحاب السلطة من أسلحة وسجون ومعتقلات، بل ما لديهم من وسائل تجسس وتنصت وغسيل مخ. وكلها وسائل لا تزال متاحة لمختلف الأنظمة اليوم. ويرى مفكرنا الكبير الدكتور جلال أمين أنه من المفيد - بل من الضروري - «تجديد جورج أورويل»، أي تتبع ما جدَّ من تطورات في طبقة الممسكين بالسلطة الذين يمارسون القهر في العالم، والأسباب التي أدت إلى هذه التطورات، ونوع الرسائل التي يرسلها أصحاب السلطة الجُدد إلى الناس من قبيل غسيل المخ. فإن ما طرأ من تطور لا يقتصر على أساليب الكذب، بل يطال أيضًا مضمون الكلام الكاذب. ويُظهر كاتبنا كيف أن القهر النفسي، بإثارة الشهوات والرغبات التي يصعب أو يستحيل إشباعها، حل محل الحرمان من الأجر العادل والتعذيب المادي، وكيف تغيرت، تبعًا لذلك، طبيعة شعور المرء بالاغتراب، وما ضاع منه وما تبقى له من وسائل لمقاومة الأنواع المختلفة من القهر. كتاب كاشف ومهم، فكما أكد «أورويل»، إن ظواهر الأمور غير بواطنها، وما يُقال لنا كثيرًا ما يكون عكس الحقيقة بالضبط، وعلينا أن نبذل جهدًا فائقًا لكي نرى ما يدور أمام أعيننا."التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2017
- 464 صفحة
- ISBN 13 9789776467736
- دار الكرمة
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتابمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Mohammed Makram
العولمة و التكنولوجيا الحديثة لا تعني أن الحرب أصبحت أقل وحشية أو أقل إراقة للدماء أو أقل هستيرية مما كانت في الماضي. بالعكس. لقد زادت أعمال الحرب بربرية و اقترنت بهستيريا أكبر. كل ما هنالك أن الحرب أصبحت محدودة النطاق جغرافيا. و لم تعد تمتد إلى أرض القوى الكبرى نفسها. بل تجري في الأقاليم المتاخمة لها. التي لم يتحدد بعد بشكل واضح ما إذا كانت ستقع تحت نفوذ هذه الدولة الكبرى أو تلك.
لقد زالت حقا طبقة الرأسماليين و لكن ظهرت بدلا منها ارستقراطية جديدة. تتكون من السياسيين و البيروقراطيين المحترفين. و قادة نقابات العمال و خبراء الإعلام و الصحافيين. هذه الأرستقراطية الجديدة و إن كانت أقل تطلعا إلى الرفاهية المادية من سابقتها فإنها أكثر طمعا في محض السلطة. و هم في سبيل احتفاظهم بالسلطة على استعداد لممارسة وسائل للقهر. تعتبر وسائل الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى بالنسبة لها غاية في التسامح. بل انهم أعادوا وسائل القهر التي كانت قد هجرت منذ زمن طويل. كالسجن دون محاكمة و الإعدام العلني و التعذيب للحصول على الاعتراف. و ترحيل أمم بأسرها من أراضيها. كما سمح لهم تقدم وسائل الإعلام و الاتصال و خصوصا اختراع التليسكرين الذي يسمح بالإرسال و الاستقبال في الوقت نفسه بالتحكم في الرأي العام و تشكيله على أي نحو يشاءون. و من ثم أصبح بمقدور الدولة ليس فقط أن تضمن الطاعة التامة بل و أيضا أن تضمن التماثل التام في الأفكار. و أن تقضي قضاء مبرما على الحياة الخاصة.
في رواية جورج أورويل 1984 كانت الأفكار هي أخطر شيء على الدولة و كان المسجونون بسبب أفكارهم في حالة ذعر دائم. و يتعرضون لأنواع من التعذيب لا يتعرض لها المجرم العادي. بل ان المجرمين العاديين الذين ارتكبوا جرائم القتل أو السرقة أو الاغتصاب. كانوا يبدون و كأن لا شيء يعكر صفوهم. بل و يبدون جرأة غريبة إزاء الحرس و يسبونهم و يهربون الطعام من وراء ظهورهم. بل و قد يوجهون السباب إلى شاشة التليسكرين حينما توجه الأوامر إليهم.
هذا قليل من كثير يتطلب تجديد جورج أورويل. ما زال كتاب 1984 مهما مثل معظم كتابات أورويل الأخرى. و ستظل كذلك لفترة طويلة مقبلة. و سنظل على أي حال مدينين له بأنه شق لنا طريقا جديدا. و يكفيه تأكيده على شيء واحد على الأقل: أن ظواهر الأمور غير بواطنها. و أن ما يقال لنا كثيرا ما يكون عكس الحقيقة بالضبط. علينا فقط أن ننتبه أن الحقيقة تتغير من عصر لعصر. و كذلك ما يقال لنا. و لكن أورويل أيضا هو الذي قال مرة: إن علينا أن نبذل جهدا فائقا لكي نرى ما يدور أمام أعيننا.
هل تفسير ذلك أننا و إن كنا نعيش في عصر العولمة نعيش في الحقيقة عصر عولمة الاقتصاد. و عولمة تسويق السلع و سرعة نقلها عبر مسافات طويلة دون أن تنتقل الثقافة بنفس السرعة. ربما لارتفاع وزنها؟ نعم. الأفكار و المعلومات تنتقل بسرعة أكبر بكثير من ذي قبل. و لكن أي أفكار و أي معلومات بالضبط؟ هل هي في الأساس الأفكار و المعلومات التي تسهل عمليات البيع و الشراء و تسويق السلع؟ إذا كان الأمر كذلك فإن النفع الناتج عن العولمة لا يبدو واضحا تماما لي.
في عصر الشركات متعددة الجنسيات أصبح الرأسمالي يهدد العمال بأن يغلق المصنع بأكمله. ليفتحه في بلاد أخرى. العمال فيها مستعدون لقبول الأجر المنخفض. و العمل في أي ظروف. العامل الإنجليزي يخشى المنافسة من العمال المتبطلين في إندونيسيا. و هؤلاء يخشون منافسة المتبطلين في تايلاند أو نيجيريا. إلخ. الظاهرة مخيفة لأكثر من سبب. فالعمال المتبطلون لم تعد لهم القدرة على تخريب المصنع أو رميه بالطوب. فقد اختفى المصنع تماما من أمامهم. و هم لا يستطيعون تهديد أصحاب المصنع بالعمل النقابي أو الضغط على الحكومة. فالعمل النقابي لا يمتد أثره خارج الحدود. و الحكومة نفسها أصبحت تأتمر بأمر الشركات العملاقة. و حتى لو لم تأتمر بأمرها فإنها لا تستطيع أن تتعقبها خارج حدود الدولة.
من الأمور التي اختلفت مع جلال أمين فيها هنا اعتراضه على الإجراءات الأمنية المشددة في نقاط التفتيش بالمطارات مثل خلع الحذاء و خلع الجاكيت و هو يرى أن حادث واحد من حذاء أو جاكيت مفخخ لا يبرر كل هذا الهلع و أنا أستغرب كلامه بالفعل لأنه ما من ضامن يضمن عدم تكرار ذلك إلا بالتفتيش الدقيق كل مرة.
أمرا أخر هو تبنيه نظرية المؤامرة في ما يخص الإرهاب الإسلامي فهو لا يرى أي مصلحة للإسلام و المسلمين في هذه العمليات الإرهابية بل هي على العكس تأتي بأسوأ النتائج لكل من ينتسب إلى الإسلام لذا فهو لا يرى أنها من أعمالنا بل من أعمال الغرب ليبرر رد فعله العنيف على هذه العمليات و ليحقق الاستفادة القصوى. و هنا أختلف معه جزئيا و أرى أنها نتاج مشترك من تخطيطهم و تمويلهم و غبائنا في الانقياد لهم بدون وعي و تنفيذ مخططاتهم و تبنيها و العمل على تأكيد أنها مقاومة خالصة من صنعنا دون إدراك ما ستجره علينا من خراب. إن هذه العملية هي نتاج المتطرفين من الإسلاميين و أعدائهم في الوقت نفسه و لكل منهم غرضه و مبرراته و ليس لنا في منتصف هذان الفريقان إلا ما يصيبنا من شظايا.
يطرح الكتاب تغول العولمة بمنظومتها الرأسمالية مقابل الدولة القوية القائمة على الإشتراكية و يطرح تراجع الحريات على حساب السوق و الاستهلاك و الأمن مما يجعل من إحياء فكر جورج أورويل في مقاومة تسلط الدولة أمرا حتميا يجب أن نتسلح به في الحاضر و المستقبل.