الكتاب الخامس عشر من العام 2025
جريمة في رام الله
عباد يحيى
تطبيق ابجد
""أمشي، أنظر إلى ارتفاع المباني، ولا أفكرّ إلا بائها أنسب لسقوط أخير ينهي كل شيء. أراقب السيارات المسرعة في آخر الليل وأفكر بالسرعة اللازمة لإنهاء كل شيء، أفكرّ أن إنهاء كل شيء وإيقافه سهل، ولكنني جبان.""
""زيتوننا تقطفه عائلات من قرى أخرى على نسب محدّدة، وحين يجلبون الزيت إلى البيت أشعر بملامح ارتياح على وجه أبي، ليست سعادة، بل ارتياحًا يشبه ملامح الوجه بعد شرب الماء، بعد ملء نقص ما. ربّما كان ذاك الرغبة الدفينة غير الواعية والمتوارية في التحوّل إلى مالك أرض، يعمل فيها آخرون""
· مدينة رام الله: لقد أصبحت رام الله الان مقر للحكومات الفلسطينية العاصمة السياسية جاء الرئيس أبو عمار اليها من تونس لم تعد رم الله 1993 كما قبلها لقد تغير كل شيء بسرعة كبيرة انها مدينة التناقضات البناء، الأبراج، مدينة الكل، والكاتب الفلسطيني عباد يحيى ابن المدينة الذي كتب رواية رام الله وصعود ال النجار فيها تحدث هنا عن مشاكل الشباب وتطلعاتهم لكن الكاتب هنا أكثر من العبارات الغير لائقة وتحدث عن المثلية والجنس فهل وصلت رام الله لهذه المستويات بالرغم اننا لو قارناها برواية الخبز الحافي لوجدنا انها رواية عادية مقارنة بحجم الفحش والالفاظ السوقية في الخبز الحافي .
· بداية الرواية بخبر وقوع الجريمة: "20 تشرين الثاني 2012 - أعلنت الشرطة مقتل المواطنة ر.س البالغة من العمر 29 سنة إثر طعنها في ساعة مبكرة من فجر اليوم في شارع فرعي في حي الماسيون في مدينة رام الله، ولا تزال التحقيقات جارية لكشف ملابسات الحادث، ولم تعلن الشرطة اعتقال أي مشتبه بهم".
· وهنا أتساءل عن الاسم دنيا الفتاة التي قتلت ماذا كان يقصد الكاتب؟ هل هو قتل مدينة اختفت معالمها الخضراء ليحل محلها العمارات، ام قتل أحلام الشباب عبر المشاكل لأنه على وقع الجريمة أدرك كل من رؤوف ونور ووسام الشخصيات الرئيسية في الرواية أنها ستكون أهم حدث في حياتهم، وستدمغ ما قبلها وما بعدها. لم تكن مجرد حدث مركزي في مسار حياتهم، بل لحظة حرّضت رؤوف على العودة للنظر إلى الخلف، إلى ما مضى ليعيد تفسيره مرة أخرى وبطريقة مختلفة. أما بالنسبة لنور فأصبحت الحدث الخاطف الذي يدفع بكل شيء إلى مواجهة مفتوحة. أما وسام فكانت الجريمة سؤالا مفتوحا في رأسه لم يحتمله. ثلاث شخصيات شابة من جيل ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية، يعيشون مختارين في حيوات متوازية مع كل ما حولهم من مجتمع وسياسية وقضايا كبرى، وحين يحدث التقاطع الوحيد إثر جريمة القتل تبدأ نسخة أخرى مختلفة من حياتهم تتبعها الرواية بين ماض وحاضر ومستقبل تذوب الحدود بينها.
· إذا هنا جيل فلسطيني شاب، بدروبه التي فرضها الزمن البعيد والقريب والمتقطع، بما وصل اليه وأسئلته الجديدة. إنها رواية عن المدينة، ورواية المنقطعين عن العائلة، ورواية عن فلاحين لم يعودوا فلاحين، ورواية الجيل الذي عاش في مراحل متناقضة، عن العوالم النفسية الداخلية المركبة وعلاقتها مع محيطه السياسي والاجتماعي، جيل يحنّ إلى المشاريع الكبرى التي عاش ظلالاً منها. وهي فوق ذلك، رواية عن ناس عاديين، وسرد لقصصهم المكتملة من دون كل ما سبق.
· فصول الرواية ثلاث على حسب أسماء الشخصيات الرئيسية رؤوف ووسام ونور ودنيا اوصديقة وسام ربى الفتاة التي قتلت.
· رؤوف طالب جامعي يُحب فتاة لامس يدها صدفةً في التاكسي التي أقلّتهما من الجامعة، يسمّيها دنيا ويبدأ برحلة شاقّة للعثور عليها في شوارع المدينة وأروقة الجامعة دون جدوى، ويبقى طيفها يلاحقه، ويعيش في سراب وتقلب حياته رأسًا على عقب، فينقطع عن عائلته ويهمل دراسته الجامعية ويشتغل في بار "لوتس "لصاحبه أبو وليم، كي ينسى تلك الفتاة التي "فقدها".
· نور الشخصية الثانية الذي يسكن في شقة مع رؤوف ويقيم معه علاقة جنسية مثليّة ويصف خلالها حيثياتها وخصوصياتها، وتصوّر الرواية الحياة التي يعيشها المثلي في المجتمعات العربية، ومقدار الآلام التي يمر بها نتيجة اختلافه، وفجأة يختفي رؤوف بشكل غامض من حياته فيضيع نتيجة الفقد ويدخل في دوّامة ومتاهة حياتية.
· وسام الذي يفقد حبيبته ربى – الشابة القادمة من غزة المحاصرة والمنغلقة، لتعيش في رام الله المنفتحة - التي طُعِنَت وقُتِلَت حال خروجهما من بار لوتس حين عاد ليجلب الهاتف الذي نسيه هناك، فحاول اللحاق بالجاني وقبل أن يصل إليه عاد إلى حبيبته المُلقاة في الشارع غارقةً بدمائها، فلم يستطع إنقاذها ولم يتمكّن من الإمساك بالقاتل، ويعيد الكرّة مرارًا دون جدوى، فيهرب مشرّدًا إلى شقّته ويشعر بالتهديد والتيه متخبّطًا بالتساؤلات: ماذا كان عليه أن يفعل؟ هل كان يتوجّب عليه أن ينقذها أم يمسك بالقاتل؟ لماذا عجز عن أي منهما؟ من أين أتى هذا العجز المطبق؟ (ص 195) فيصرخ متسائلًا: "ماذا كان على أن أفعل؟ "والنتيجة "فُقدٌ "مزدوج اغتيال ربى وانتحار وسام!
· وليس غريباً أن يكون نور هو المتهم الأول بجريمة القتل التي حدثت أمام البار الذي يعمل فيه، فيكفي كونه "مثلياً "ليكون متهما بارتكاب الجريمة وصار تكثيف كل الشر ومحل كل الشكوك والازدراء وتعاملوا معه كخطأ تمّ تصحيحه و"الله رح يسخطنا بسببهم ويصرخ بعد اعتقاله وتعذيبه، "أتأكد أنني لم أكن متهماً في جريمة القتل، بل بأكثر الجرائم شيوعًا في العالم، محاولة أن أكون أنا".
· ينجح عبّاد في هذه الرواية بتصوير تخبّطات جيل الشباب الفلسطيني - جيل ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية - الذي يبحث عن ذاته وهويّته، جيل يشعر بالهزيمة ويعاني من ضياع في عصر العَولمة، يعاني الفقدان الدائم فيحاول الهروب ويصرخ: “هل هناك أقسى من اشتهاء ميت! "ويصل إلى النتيجة الحتمية التشاؤمية بأن "الناس تعوّدوا على الخسارات، فباتوا يُنكرون مَن ان تنزل بهم “وهي قضايا اجتماعية حياتية ويوميّة يعيشها الشاب الفلسطيني، ويتناول قضيّة لجوء العائلة للدين وموقف جيل الشباب منها، العلاقة داخل العائلة والقطيعة بين الشباب والأهل تجعله يقول "رباط العائلة الذي يدّعي الجميع قداسته يُشترى بالمال، ويُعمّد به"، يتناول ظاهرة الزيف الاجتماعي وازدواجية المعايير، روّاد المقاهي والبارات، جمعيّات المجتمع المدني والمتاجرة بها ومنتفعي الواقع الجديد وغيرها
· الرواية بحبكتها تترك عند القارئ تساؤلات كثيرة، أهمها هل دنيا هي الوطن المفقود؟ وفلسطين التي أصبحت حلمًا وسرابًا؟ وخاصة بعد الإبادة التي تحصل حاليا وربى هي انقسام الوطن هل نور ورؤوف وعلاقاتهم الجنسية المثليّة تمثّل الضياع الشبابي؟ والبحث عن "هوية "فتنفصم الشخصية بزواج رؤوف التقليدي وهجرة نور، هل هناك حياة عادية لجيل الشباب الفلسطيني الحائر والمتخبّط بانكساراته وهزائمه اليوميّة المتواصلة؟ هل دنيا التي ظهرت فجأة كإعلامية على شاشات التلفاز الفلسطيني تبثّ خبر جريمة قتل ربى الغزيّة تصوّر الشرخ المستديم بين شطري الوطن وكأنه أمر اعتيادي مسلّم به؟
· في الرواية سخرية سوداء من قدرة الفلسطينيين على تحويل حياتهم إلى ماض، أو رغبتهم الدائمة في عيش قصصهم داخل الأرشيف؛ سخرية من الرغبة في خسارة الأشياء حفاظاً على الحنين إليها، ومن التخلي عن الأشياء لحيازة دلالاتها، ومن تحويل المشاريع إلى صور معلقة في غرف الضيوف، وقطع الأراضي الشاسعة في القرى، إلى "ورود تافهة مزروعة على شرفات المدينة الضيقة".
· تقنية الأخبار أسلوب جديد استخدمها الكاتب نحو مختلف من الطرق التي نعرفها لذلك نجد في بداية كل فصل خبرا وتاريخا حقيقيين، في إشارة رمزية إلى اتصال أحداث العمل بالواقع وانفصالها عنه في الوقت نفسه، فهي متصلة به لأنها جزء من واقع ابطال الرواية وفي نفس الوقت منفصلة عنه لأن في هذه الأخبار التي قد تكون أحياناً عن أشياء لا علاقة للرواية بها، تأكيداً أن الحياة تستمر بشكلها الحاسم والطبيعي، مهما اختلفت تصوّرات الشخصيات والناس عنها.
· رواية "جريمة في رام الله" عمل مفقود من الأدب الفلسطيني المعاصر، الذي نتساءل دائماً عن معاصرته الغائبة، وعن انشغالاته بماض قديم وأمكنة بعيدة. لكن يحيى يؤكد على صلته بالحاضر، وعلى مكان الرواية الطبيعي، وهذ ما يلمسه من قرء روايته رام الله لأنه يتحدث عن واقع ملموس