رسائل من إله الخوف - فادي الصائغ
أبلغوني عند توفره
شارك Facebook Twitter Link

رسائل من إله الخوف

تأليف (تأليف)

نبذة عن الكتاب

لخوف والقلق ..... تدور الاحداث في بيت شاعر فقير معجب بآرثر رامبو أكثر من اللازم . يتحول كل يوم إلى كتلة ميتة من الأفكار المتخثرة؛ يكتبها على ورق؛ تخور قواه، ويستسلم للنوم، ليصحو على دنيا أخرى هي دنيا الكوابيس البشعة. يضاجع نفسه كأي إنسان مصاب بالوحدة المزمنة، ويعود ليمارس طقوس النهار بكل ملل وخوف وقلق من الوجود.. يشبه أطلس الذي يحمل خارطة العالم على ظهره ويقول: توجد فسحة أمل.
عن الطبعة
  • نشر سنة 2012
  • دار جلجامش للنشر والتوزيع

تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد

أبلغوني عند توفره
4.3 3 تقييم
25 مشاركة

اقتباسات من كتاب رسائل من إله الخوف

المجـد للموتى

لقصصهم

لتأريخهم الطويل في العفونة

في الاختفاء

عن نظرات العالم الحاقدة

لا يملكون من هذه المسيرة

سوى دموع ناشفة وصندوق من القلوب المشتاقة

مشاركة من أماني عبده Amani Abdo
اقتباس جديد كل الاقتباسات
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

    عدد الصفحات غير معلوم.
    أدخل عدد صفحات الكتاب حفظ
  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم

  • مراجعات كتاب رسائل من إله الخوف

    5

مراجعات

كن أول من يراجع الكتاب

  • لا يوجد صوره
    0

    في مجموعته " الشعرية" الأولى . يستطيع فادي الصائغ أن يقدم نصوصاً متأرجحةً في رؤاها ومجازها ولغتها. وهذا التأرجح الصحي الذي يشحذ الكاتب للوصول إلى لغته الخاصة ورؤيته الناضجة بذات الدفق الشعري من روح كاتبها. إن ما يميز هذه المجموعة أنها صعبة التجنيس . فالكاتب الذي جنس كتابه "شعراً " وهو لا ينتمي إلى قصيدة البحر أو التفعيلة. اتكى على قصيدة النثر التي يصعب تقييدها إلى الآن. لكن أيضا لهذه القصيدة مرتكزات تتضح يوما بعد يوم . من التكثيف اللغوي وموسقة المفردة والجملة وقزاتها الخاطفة وابتعادها عن السرد والتقريرية . وهنا يمكننا أن نرى أن الكاتب استطاع أن يقدم قصائد تحمل تلك المقومات .

    "في الجريمة

    يتحد المجرم بالضحية

    داخل فقاعة مظلمة من الحب"

    وقصائد أخرى يظهر فيها التكلف في الصياغة تشعر القارئ بفجوات متتالية وهو يمر على النص من خلال ارتفاع وانخفاض في النص الواحد من حيث اللغة والرؤية والقدرة على نسجهما بفرادة يبحث عنها الكاتب. فتخرج النصوص من عمق فلسفتها إلى سطحية التلقيم التي تُمج في الشعر.

    "شديد اليأس هو من يمسك حبلاً مليئاً بالسم

    ويشد أعماقه إلى الخارج

    من أجل الحصول على بطاقة جديدة

    لجنون العظمة"

    ومن جديد فالتأرجح لدى الكاتب برؤيته التي تتعارض مع بعضها في نصوص مختلفة قد تعكس الفرق بين النص الفلسفي الذي يتكي على رؤية متشعبة الأبعاد معتقة في خوابي الوقت . وبين الفلسفة الشعرية التي تفيض من عمق اللحظة الشعورية. وذلك قد يصب ايجاباً لدى الكاتب . حيث أن البحث المستمر والبعد عن القطعية. هو ما يمنح الشاعر امتداده واتساع سماوات روحه. السؤال. والهواجس . هي من تخلق الشعر

    "

    "من ينير طريق القلب المحشو بدسم الحزن

    ليس هناك فارق

    مع أني لست ماكنة تبحث عن افراغ جيوبها

    في بياض الذهن"

    نصوص تنضح بالشعر والتساؤلات . وبالذاتية التي تعكس الكون لدى الكاتب من داخله . بمفردات سهلة وإيلاج مفردات من الحياة اليومية في نصوص فيها شيء من الانعتاق عن الزمن . ما قد يوتر النص. المفردات لم تكن غنية لدى الكاتب غير أنه كان جيداً في انتقاءها.

    ونصوص مذبذبة بطاقات كامنة . تبحث عن الانعتاق أكثر فأكثر

    Facebook Twitter Link .
    4 يوافقون
    1 تعليقات
  • لا يوجد صوره
    3

    رسائل من إلهِ الخوف

    أضواء حمراء في قاعات متفرقة، تضيء في وقت واحد!

    الشاعر إنسان متجرد من ثياب التشريف والتكليف، تتجاذب روحهُ الصراعات كأسنان حوتٍ يتقصّدُ هؤلاء الذين يمسِّدون قلوب الجميع برأفة عجيبة، ويتفانون في توصيل ما قطعته المشاحنات من قنوات، يتفاءلون وإن أحاطهم البؤس، ويغنون وهم غرقى بالدموع.. كطفل متكوّم في حضن أمّ - ما - يتقلّبُ في مقلاة أوجاع من حوله، يتبنى آمالهم وأمانيهم، أحلامهم وطموحاتهم، ويطير بها إلى الشمس غير آبهٍ بالبؤس، ولا القطيعة.

    ماذا تراها ستكون العلاقة التي يمكن أن تجمع بين الوجع والتحليق، أو بين الهدوء وصخب الطفولة، كينونتان مختلفتا الطبيعة والقدر كلياً كقطعتين مستقيمتين منتصبتين في مكانين لا يتوازيان ولا يمكن أن يتقاطعا مطلقاً في فراغ الهندسة الكونية، أو ماذا سيكون مبرر الالتقاء بين متناقضين، إن لم تكن متعلقة بتعقيد النفس البشرية. الشاعر يفهم ذلك جيداً لأنه الكائن الوحيد الذي يمكنه العيش مرتاحاً جداً في دهاليز النفس ومتاهاتها حال محاولة الفهم، هو فقط مع زمرة هؤلاء الذين يعتبرون الخيال رأس مالهم في التعامل مع الحياة لشراء متعهم المختلفة وحتى حيواتهم مكتملة.

    الشاعر فادي الصائغ في مجموعته (رسائل من إله الخوف) كان نقطة التقاء كل هذه الأشياء بقدرة رهيبة وجمال خاص، ووجع غبي طائش، وخوف لا يحده احتضان وطن ولا سور أمان، هذا فعلاً ما قرأته بين الدفتين منذ الصفحة الأولى، وقبلها... مع إيحاءات العنوان ومع رهبة الدخول إلى كهف هذه النصوص التي تشي باضطراب الشاعر نفسياً واجتماعياً ودينياً وانفعالياً!

    قبل أن أغوص في متاهات هذه المجموعة، أودّ أن أقول أنني توصلتُ – مؤخراً – إلى اقتناع تام بألا ألقي بالاً لمسميات النصوص إذ أنني لم أحب القوانين طول عمري ولم أقبل أن أفرض على الإحساس قالبا معيناً، لكنني ولسبب أجهله أبرر تسميتي بيني وبين نفسي (الشاعر/ فادي الصائغ) شاعراً بينما لا أسمّي نصوصه شعراً... هو شاعر لأنه لمس فيَّ/ فينا شيئاً، ونصوصه ليست بشعر لأن رأيي في القصيدة المنثورة لم يتغير. بالرغم من أنني انسجمتُ مع أغلبها وشعرت بإيقاع بينما كنت أقرأ، لست أدري إن كان إيقاع الشعر أم إيقاع الوجع، وهل ثمة فرق بينهما!

    نصوص هذا الديوان تجعلني أدرك جانباً من شخصية الإنسان الذي يسكن الشاعر وظنه المتجدد فيمن حوله وفي أفكارهم تجاهه، واستغلالهم للحظات ضعفه، وعن إيمانه بأن اليوم الذي لا يكون ملكاً له/ سيليه يومٌ أجمل وأجلّ، فهو كائن متفائل بشكل واضح وإن كان يظهر بشكل متقطع وفي رعشات نورٍ متباعدة الحضور جداً، كما تبرز في كل وقت وفي عمق كل نصّ رغبة الشاعر في الحياة أيضاً كأغنية عالية الوقع بين كلماته ونصوصه، إلا أن الضجيج الذي أحسستُ به في عقلي خلال قراءتي للنصوص/ لبعضها على الأصح كان أقوى من أي ضجيج سمعته يوماً حال ممارسة خطيئة كالكتابة والقراءة مثلاً.

    أنت أيضاً ستدرك ما أقول حين تقرأ هذا الديوان ذي السر الغامض/ الواضح، الممتنع/ السهل، وسأسوق ما جعلني أشعر بذلك، يقول الصائغ:

    "لا وجود لغيمة تفضح الشرور

    الشرور غاز منوم

    لطيف

    ينشر عطره في الاحتفالات

    ويموت داخل علم الغيب

    الذي يعرفه الحكواتي

    وتعرفه أيضاً الخيول المرعوبة

    التي تكتشف كل يوم بأن هناك من يبتلع الضحك لمصلحته الخاصة"

    ويقول:

    "والخلايا تعزف وتعزف بتوتر

    انتهت المكالمة

    وأتت الرياح المزيفة من جديد

    لتربح القليل من خوفي"

    إن أية أنثى لن تتمنى أن تكون بطلة في خيال شاعر يبكي دماً في قصيد كهذا... بطلة خيال شاعر ينزف فقداً أعمى، يعترف بنقص أهم شيء يبقيه على مسارح الحياة. إنه في زحمة الأوجاع يقول ما لم يقله رجل، بالتأكيد لن تتمنى أنثى أن تكون عشيقة رجل مهزوم حد الاعتراف، ولا ملهمةَ رجلٍ جريح حدّ النفور يقول:

    "لستُ رجلاً بالمعنى الصحيح

    أمتلك بعض الخبز والمرض

    لن تشاركني حبي

    لن تشاركني لذة الألم

    بعد الآن"

    حين استدعى الصائغُ شيئاً من علم الفلك في قصيدة ما، لم يكن يرمي لحبيبة ولا لصفة ولا لوجع شخصي ولا حتى لاتساع الأفق، لقد كان هذا - في رأيي – حقيقة صادمة تدعو للبكاء وحسب، ضاقت الأرضُ بأغنيات الشاعر وأمسكت عن منحه الدفء فنزح بحرفه يتلمسُ الدفء في السماء/ الأفلاك، ولعل البردُ هو أكثر - ربما - ما يخيف الشاعر فادي.. لأن الخريف/ العري / المدافئ/ الحميمية هي كل ما ينادي به .. بل لعلها كانت أكثر من الحرية والانطلاق. ومع أن النزوح إلى السماء لا يشبه الحياة التي يرنو إليها، ليست السماء - في نظره - أقل شحوباً أو أكثر دفئا.. إلا أنه يعتمرُ خياله في تصوير شكل أجمل ولو بقليل من شكل الوطن المكتظ بالخوف من الفقد / من البرد / من فجأة الضياع / من تلاطم الوجع... يقول:

    "صومعة الموتى

    ليست في بالي

    إنهم رحلوا

    صدفة

    أخذتهم الصدفة من دون موعد

    إلى أغنية جديدة أكثر شحوباً"

    كل قصيدة في الديوان هي صرخةٌ قائمةٌ بذاتها لها صوت مرتفع قادم من أعماق روحه التي تشعر بالبرد، صراخٌ أشد من الغليان صراعا... أقوى من أصوت الأبواق إزعاجاً... لكنه الصراخ المسكينُ الذي لا يُسمع.

    وعلى الرغم من قوة علاقة الشاعر بالحياة وتعلقه القوي - الذي يتزعزع مع الظروف أحيانا - بها الأمر الذي يكاد يقفز من طيات نصوصه مفصحًا عن الحكمة الواضحة في عمقها ووراء الألم الذي يتصدر واجهاتها، إلا أن علاقة الشاعر بالسماء ضعيفة باتجاهيها (الصاعد والنازل) لأن تلك العلاقة بالذات أصلها هذان المحوران.

    ثقة الشاعر بإله السماء ضعيفة. يختبرها بين نص ونص بسؤال الله أن يباريه/ أن يحلم معه/ أن يثبت له قدرته / أن يكون مثله أحيانا. يشكك في قدرته، ويستهين بمقامه ويصفه – جلّ شأنه - بأوصاف يبدو أن خياله متشبعٌ اعتقاداً بها، كوصفه بالحكواتي الذي يملك ألواح الغيب، واتهامه ذات نص بأنه – جلّ عن ذلك وعلا - يدّعي الأشياء.

    وبرأيي أن الضعف الواضح والوهن في محوري علاقته بالسماء جاءا لارتباط ضعيف أو نقطة تحول في حياته برزت تأثيراتها على نفسه تباعاً، فقد خلالها ثقته بالسماء كما فقد ارتباطه فيها وإيمانه بها. والمحور النازل متعلق بحياة الشاعر من جميع جوانبها، مستواه الاجتماعي، وضعه المادي، رسالته في الحياة، وتحقيقه لأهدافه... كل ذلك يؤدي كأسباب مباشرة إلى المعاناة التي تنقله تلقائياً للضعف الذي سردته في المحور الصاعد. ظناً أن إله السماء هو سبب الشقاء الذي يحيا به على أساس أنه هو الذي يصوغ الأقدار ويقسمها ويوزعها. وهذا يُبرِزُ تناقضا واضحا في شخصية الشاعر لا يُلام عليها طالما كان واقعا تحت تأثير الاضطراب الذي شمل كل جوانب حياته. يقول فادي:

    "فيلم قصير

    ينجح في شيء لم يكن يحبه

    لكنه خرجَ سعيداً من الباب

    تدهسه أحلام الكبار

    ويقولون إنها خطة الله"

    كما حين خاطب الشاعر "ربّه" بقوله:

    "احلم معي

    تعال

    أمسك يدي

    لنرسم قوس قزح

    فوق غابة الهرب

    ولتمُتْ قصص الأطفال برداً

    نحن لا نصدق أكاذيب الطفولة"

    لكنني أتساءل من جديد: هل يبرر المجازُ فكرة الجرأة على الله!

    كنت أقرأ في نصه الذي بدا لي أنه يكتبه في لحظة اشتدت بها قسوة الخريف، وصل به درب الحب إلى الأرض التي غزاها القفر واشتد اصفرار الأعطيات فيها كأشد ما ينزل على قلوب المحبين العطشى، قبل أن ينضج فيه مفهومه عن الحبّ. قبل حتى أن يتسع إدراكه ليحيط علما بأطرافه وخفاياه، كطفل تضيعُ بين يديه المعاني ليلجأ للبكاء لكنه اليوم يعود إلى الطفولة بعد أن فهم كل ألاعيب الحياة ومؤامرات الكون التي كان يضحكُ الكبار علينا بها ويغشون براءتنا بتصوير الغبش والشوائب شراً سينقضي، ليغلب الخير أخيراً.

    بدا جلياً في النصوص كلها أن البطل هو الخوف بوجعه الكبير، ذلك النزيل البشع الذي لا يفارق منزلاً نزله قبل أن يدمر فيه الكثير. يقول فادي:

    "الحكمة تخرج للتقصي

    فلا تجد الحكام والحكماء

    ولا تجد المحاكم

    لا تجد سوى الجليد الذي غطى الشوارع

    فتعود مهزومة

    كطفل يحرق أمانيه الأخيرة ليتدفأ بها

    كتاجر يعرض بضاعته الأخيرة في سوق الحسنات والسيئات

    الحكمة غير موجودة

    فهي نتاج العذاب

    نتاج وقفة حداد مع أنفسنا الضائعة في متاهات صورية"

    ومع أن الصورة الأولى التي يتركها انطباع القراءة هي أن الشاعر يائس إلا أنني قرأت حبه للحياة وتمسكه بها أكثر في عمق ما يرمي إليه بالذات حين قال:

    "لا تعرفون أي شيء

    العالم لا يتغير

    إنه كرة من الغباء الموروث

    كرة عمياء تدور في مدارات عمياء غير محسوسة

    نظرتي للسنين تغيّرت

    أقطف الربيع من فم رقصاتهم القذرة

    وأجلس عند الموقد وأدندن

    حياتي خشبة محروقة

    لا يقف عليها الغربان"

    وحين قال:

    "لا يهمني المطر

    ولا ساعات الفجر

    ولا عراك الحمام حول حبة قمح

    لا يهمني الشِّعر

    ولا الاستيقاظ

    النملة تحفر بيتها وتموت خارجه

    الموت يحفر قبراً ويتجول خارجه

    وأفكاري حبل مشنقة ولحية من التبغ"

    أفكر أنه لن يأتي اليوم الذي أشيرُ فيه إلى نفسي بإهانة وجملة منطقي: كيف تبارزين ذات يومٍ شاعراً كهذا الرجل؛ قصيدة كتلك القصيدة:

    "سيعدمون ذلك البوذي المسكين

    لأنه سرقَ الخبز من فم الفرح

    وعاد إلى الغدران

    يصرخ ويقول

    لا يوجد فرح

    إلا بعد الخطيئة الاولى

    إلا بعد انسياب أول قطرة عرق في معبد الذات المظلمة"

    اليوم لم أُفتَن بالشاعر لكن فتنتي الكبرى أزلا (الوجع) كانت بطل النصّ أنّى اتكأ النصُّ وجده في وسادته. حاولت أن أعتمرَ الموضوعية منظاراً قرائياً مناسباً لأجد أنني أفشل من جديد وأنحاز مع القصيدة ضدّ كل شيء.. أنا أكتشفُ بين يدي الكتاب أنني ضعيفة المقاومة قابلة للتشكل كيفما اتفق، قابلة للتخلي عن أية فكرة وأي مبدأ. أكتشف – فجأة - أن أي شيء تقرأه لأول مرة هو نص جدير بالقراءة، ولن تجد نصّاً لا يستحق القراءة وتضييع الوقت. ثمّ أسلِّمُ الأشرعة حين أذوب في نصٍّ عبقريّ كهذا:

    "رحلة إلى الناصرة

    رقصتُ مع عرسان لا أعرفهم

    ثم أخفوني عن لحية الموساد

    الذي طردني بعد ذلك

    وأعطاني خبز الفصح

    وصحراء لا يوجد فيها طريق العودة"

    حين جاءت سيرة الورد، ولو أن شجن الحزن كان قد شدّ سيقانها إلى سريره غصباً، تفتّحت فيّ شهوة التخلي عن كل شيء... أكثر:

    "يـخـتـبـئ الورد حزناً

    تختفي اليد التي تقطف الورد حزناً

    الورد ضعيف أمام البقاء

    والإنسان كذلك ضعيف أمام البقاء

    سيختفي الجميع مع عناصر الطبيعة

    في ساعة غير معينة

    عندما يدير الشيطان مفاتيح الجنة من جديد

    وينشر عساكر الوهم في أبراج المراقبة"

    لكنني تساءلت بعمق ورغبة شديدة في معرفة إجابات سؤالي: هل يتحول الشعراء مجرد مذيعي أخبار؟ لأن الحقائق تريد ذلك! أم هل يصبح الشعراء لقمة سائغة لأسنان الجمود والتجهم؟ لفرط حساسيتهم للأشياء!

    لربما كان الشاعر هو الرجل الوحيد الذي يمكنه أن يحس ويقول الحقيقة بدمعة لا تحظرها عليه طبيعة المهنة، ولا ميثاق شرفها. فميثاق شرف الشعر تسنه أوجاع الناس، ويقظة الإنسان فينا فقط.

    يقول فادي في أحد نصوصه المسنونة كسكاكين المقاومة المسنونة جداً، يقول وهو – كما أثبت لي – يعرف جيداً ماذا يقول:

    "هل من الممكن أن نطوي صفحة إلكترونية

    دون أن يتغير وجه العالم؟

    هل ممكن أن يبكي الدماغ الذي لا يفكر؟

    هل ممكن أن نوزع الجرائد المطبوعة بالحبر الوردي؟

    هل ممكن أن نصنع من تراب القبور تحفة؟

    هل ممكن أن يدور الحداد على الأمم الغارقة في الجوع

    ويتحول إلى بقرة حالمة تطعم الجميع؟

    لا أستطيع أن أجيب عن هذه الأسئلة

    لأن لدي أذنين: واحدة من طين والثانية من عجين

    وأبحث عن المتعة

    في كل بيت مهجور"

    ويقول:

    "بنينا قصراً من التعب

    والرجل الفهلوي

    يبحث عن روح من خشب الزان

    لكي يقفز فوق جبال الحكمة

    ويحرث من القضاء

    سبب معيشته المتوترة

    والشاعر يبحث عن موت جديد

    ليغنّي له"

    والوجع العربي يطلُّ بطلاً رئيساً آخر للقصيدة لدى فادي الصائغ، وإنني أؤيده في بعض ما قاله لأنّ بلاداً تعتبر الحب مجرد يومٍ أحمر، جديرة بأن تسكبَ فيها الدماء - لتصحيح المفهوم على الأقل - يقول الصائغ:

    "يبقى الوجع

    حفرة اللانهاية

    مثل كابوس في وسط المدينة

    يبحث عن منصة وبدلة أنيقة

    لينشر وباءً جديداً

    بموافقة العقل"

    ويقول:

    "رحلتُ وحيداً

    مأخوذاً بشيطان ليس هو الحب

    بل الظلام"

    أيضاً:

    "أزداد حباً للظلام

    كلما رأيتُ أن من غير الممكن مسابقة النور

    النور بغيض

    مصنوع للكائنات المهزومة

    والظلام هو لمن يبحثون عن الخلود

    حتى داخل المدة الزمنية التي حددها الله

    ليقبض أرواحهم من أجل مزاعم أبدية"

    والشاعر أحيانا في هذا الكتاب يقرأ نفسه ويدعونا لقراءاته على أنه "ليس زير نساء؛ بل كازانوفا الأشياء" والرجل الحقيقي لمخيلات إناث الكون، أنثى الوجع، وأنثى الدم وأنثى ال... الخ بالرغم من أنه كان قبل قليلٍ يذيب بقسوة معدن رجولته باعتراف واحد كحد السكين. ليجعلني أتساءل في ظلّ أيقونتي الحياة العظيمتين (الحب، الموت) هل يبحث الشاعر فعلاً عن الموت؟ أم أن هناك حلقة فلسفية مفقودة، ماذا كان يريد حين قال:

    "الفيلسوف يكتب بعقله

    جروح العالم

    الشاعر يكتب بفضلات عقله

    جروحه الخاصة

    والكل خسران في النهاية"

    وهو يجمع بمهارة عالية بين الأشياء وضدها في تشبيه لتختلط أمام القارئ المفاهيم ويحتار في الحكم، كما يواجه الأشياء بحقائقها. يؤمن هذا الشاعر بأن الحقيقة على صعوبتها تأخذك إلى طريق مستقيمة لا انحناءات فيها ، بينما النفاق والكذب هما خبز الضعفاء والأغبياء، لا يأخذان إلا إلى الموت المخزي.

    "قطعتُ تذكرة الباص

    نسي السائق قبعته

    وذابت الشوكولا في الشمس

    هذه الكلمات لا أعتبرها قصيدة

    بل جزيرة نائية

    لا محطات فيها"

    مثل هذه النصوص تشي لي كقارئ بالضياع الكامل الذي تعيشه الأرواح الهائمة بعيداً عن الهدف، كما – تماماً – الأرواح التي تقصى عن عالمها وحيواتها الجميلة. تشي بالسبب الخانق الذي يدفعنا للنزوح عن هذا الكونِ الرمادي دفعاً!

    وكل تلك النصوص التي وددتُ لو أطلعُ على تواريخ ولادتها، لأطفئ نار الأحاديث بداخل عقلي، عن حقيقة شمولية تلك الحالة لكامل حياة الشاعر، أو تقلبه بينها، أو انقضاضها عليه في آن.. حقيقة التشويش الذي انتقل إليّ بسهولة ويسر وهذا يعني – حسب قناعتي – أن هناك تشويشاً كان ينسرب بين ثنايا مخ وروح الكاتب، كل ذلك كان يجعلني أفكر وأنا لا أحب – كثيراً - ضجيج التفكير الذي لا يبرح عقلي حال القراءة.

    جدير بالذكر أن تنوع القصائد كان متميزاً جداً وأن بعثرة الإحساس بينها ومن ثم لملمته حتى يعصر ما جاء به من الشعر في قالب خاص به، لكنني كنتُ في بعض نصوصه ألمح شخوصاً من عمالقة الشعر العربي والغربي، ولا أستطيع أن أخفي أنني لم أحب وجودهم، ولم أرتح له.

    فاجأني قول الشاعر:

    "فـغطاء البلاهة

    يضيع في عزلتنا لبرهة عن أنفسنا"

    واستلّ ما ظننتهُ آخر سيوفه حين قال:

    "الحياة مع بعضنا

    تشبه الحياة في دكان الجزّار

    هو صراع اللحم مع اللحم

    في البراد

    الذي يجمع قصائد الموت في الأضلاع"

    لكنني أتراجع لأنني أفكر من جديد: إلى أي حد نحب بعضنا البعض، وإلى أي حد نهتم لشأن الآخر، ونشفق على جرحه، وهذه واحدة أخرى من الحقائق البشعة التي نحياها، نحن لا نحب إلا الأموات، ولا نقبل أن نعيش كما يجب لأجل الفتات. يقول الشاعر في أحد نصوصه:

    "المجـد للموتى

    لقصصهم

    لتأريخهم الطويل في العفونة

    في الاختفاء

    عن نظرات العالم الحاقدة

    لا يملكون من هذه المسيرة

    سوى دموع ناشفة وصندوق من القلوب المشتاقة"

    في رحلتي مع هذا الديوان، أحببت حالات التخبط والوجع التي كانت أشبه بمعارك صغيرة خاضها الشاعر بقلمه ثم أسدى إلينا بصك متعة عبرها وإبحار جميل، وقد اقتبست الكثير منه ولامس الكثير منه روحي، وكان بودي لو أكتب لكل مقطوعة دراسة خاصة.

    لذلك فإنني أقول للشاعر ولمن سيقرأ الديوان من بعدي ما قاله فادي:

    "المنظر جميل

    لو استطعنا قبول إغفاءة طويلة من أجل حلم قصير كهذا"

    Facebook Twitter Link .
    3 يوافقون
    7 تعليقات
  • لا يوجد صوره
    0

    فادي الصائغ : كاتب عراقي من مواليد بغداد 1980 بدأ حياته كعازف في فريق روك عراقي يحمل اسم ( المتفحمين ) كانت اهتمامته تنصب على موسيقى الروك وتفرعاتها ثم تفرغ لقراءة الكتب التي تهتم بالعبادات الشرقية .... تأثر جداً بالشاعر الفرنسي ( ارثر رامبو ) وبعد سنتين من القراءة المثابرة لرامبو وبودلير بدأ بكتابة اول قصيدة والتي كانت بعنوان ( عذابات ) ..... راسلوني على موقع ابجد بعد قراءتكم لرسائل من إله الخوف وعلى بريدي الالكتروني ****@****

    Facebook Twitter Link .
    3 يوافقون
    6 تعليقات
  • لا يوجد صوره
    5

    المجـد للموتى

    لقصصهم

    لتأريخهم الطويل في العفونة

    في الاختفاء

    عن نظرات العالم الحاقدة

    لا يملكون من هذه المسيرة

    سوى دموع ناشفة وصندوق من القلوب المشتاقة

    "فادي الصائغ - رسائل من إله الخوف"

    Facebook Twitter Link .
    2 يوافقون
    اضف تعليق
  • لا يوجد صوره
    5
    Facebook Twitter Link .
    0 يوافقون
    اضف تعليق
المؤلف
كل المؤلفون