"لي صديق أردني فلسطيني، أراه من الصالحين، وأرجو أن يكون كذلك إن شاء الله، تطيب لي صحبته، وأجد فيها متعة وفائدة، داره صغيرة بسيطة في ضاحية من ضواحي عمان، عامرة بالكتب العربية والإنجليزية، والرفوف ملأى بكتب الحديث والفقه وتفسير القرآن الكريم. أسعدني كل ذلك، الضاحية لأنها على ربوة مختصرة تطل على أودية من هنا وهناك. الهواء المنعش العليل الذي تمتع به خلفاء بين مروان، بساطة الدار ليس فيها شيء زائد عن الحاجة. ذكرتني بدار صديقنا صاحب "تفسير التفاسير" في الرياض أبي عبد الرحمن, الطعام صنف واحد، كما استنّ رسولنا الكريم. شيء من أرز وشيء من دجاج بالمرق وشيء من بقل وخضرة وطماطم. أعدته زوجته التي تحمل شهادة الدكتوراه، وكانت صائمة في ذلك اليوم، وجاءتنا به ابنته الوحيدة. لن ستة أبناء وبنت واحدة، بارك الله فيهم كلهم ناجحون، وهو كنيته "أبو ناجح". يكتب الفقه والحديث والتفاسير... هذا إلى جانب حساسية مرهفة لوقع كلام العرب، فهو شاعر مجيد يتذوق جرس الكلمات ويفهم أبعادها ومراميها ويميز بين ظواهر المعاني ومستبطناتها...".
ذلك كان جزء من ذكريات مواسم الطيب صالح الشفافة في معانيها، والسلسة في أسلوبها والمتبدلة في حكاياها. والعميقة في أبعادها، فللطيب الصالح قدرة خارقة على الرؤية والاستبصار والنفاذ إلى أدق الأمور، وهذه ملكة الفنان فيه، وهو إلى جانب عمله هذا، لم يعتمد في سائر أعماله الأدبية على هذه الموهبة وحسب بل هو شحذها شحذاً حاداً بالثقافة العربية فتزود منها كل ما وسعته المقدرة على التزود، فقرأ المعاصرين وثملتهم، وهضم أعمالهم، وغاص في التراث فاستلهم روحه، وتسلح بمعرفة شواهقه، وعايش الثقافة الغربية فكراً مكتوباً فقرأ أعمال الكلاسيكيين والمعاصرين الأوروبيين، وعاش الحضارة الأوروبية أنماط سلوك وطريقة حياة ومنهج تفكير. بالإضافة إلى ذلك وباختصار شديد فالطيب نراه في أعماله ابناً للتمازج الحضاري والعرقي العربي الأفريقي السوداني، وأعماله إنما هي مزيج هذه النفحات، وشخوصها هي الرجال والنساء والأطفال الذين يحفل بهم السودان، وهم على أية حال لا يختلفون كثيراً عن نماذج بقية الناس
...........
"شفافة في معانيها، وسلسة في أسلوبها ومتبدلة في حكاياها، وعميقة في أبعادها. فللطيب صالح قدرة خارقة على الرؤية والاستبصار والنفاذ إلى أدق الأمور، وهذه ملكة الفنان فيه، وهو إلى جانب عمله هذا، لم يعتمد في سائر أعماله الأدبية على هذه الموهبة وحسب، بل هو شحذها شحذاً حاداً بالثقافة العربية فتزود منها كلما وسعته المقدرة على التزود، فقرأ المعاصرين، وهضم أعمالهم، وغاص في التراث فاستلهم روحه، وتسلح بمعرفة شواهقه، وعايش الثقافة الغربية فكراً مكتوباً فقرأ أعمال الكلاسيكيين والمعاصرين الأوروبيين، وعاش الحضارة الأوروبية أنماط سلوك وطريقة حياة ومنهج تفكير." الغد
........
الطيب صالح1929
الطيب صالح - أو "عبقري الرواية العربية" كما جرى بعض النقاد على تسميته- أديب عربي من السودان، اسمه الكامل الطيب محمد صالح أحمد. ولد عام (1348 هـ - 1929م) في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل بالقرب من قرية دبة الفقراء وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها، وتوفي في أحدي مستشفيات العاصمة البريطانية لندن التي أقام فيها في ليلة الأربعاء 18 /فبراير 2009 الموافق 23 صفر 1430 هـ. عاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم، وفي شبابه انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم. سافر إلى إنجلترا حيث واصل دراسته، وغيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية السياسية.
تنقل الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية فعدا عن خبرة قصيرة في إدارة مدرسة، عمل ----الطيب صالح لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية, وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما, وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية, ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها. عمل بعد ذلك مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس, وعمل ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي. ويمكن القول أن حالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وأهم من ذلك أحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته العالمية "موسم الهجرة إلى الشمال".
أدبه الطيب صالح كتب العديد من الروايات التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة وهي « موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» و«دومة ود حامد» و«منسى». تعتبر روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" واحدة من أفضل مائة رواية في العالم. وقد حصلت على العديد من الجوائز. وقد نشرت لأول مرة في اواخر الستينات من القرن العشرين في بيروت وتم تتويجه ك"عبقري الأدب العربي". في عام 2001 تم الإعتراف بكتابه من قبل الأكاديمية العربية في دمشق على أنه صاحب "الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين. أصدر الطيب صالح ثلاث روايات وعدة مجموعات قصصية قصيرة. روايته "عرس الزين" حولت إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من إخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينات حيث فاز في مهرجان كان. في مجال الصحافة، كتب الطيب صالح خلال عشرة أعوام عموداً أسبوعياً في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم "المجلة". خلال عمله في هيئة الإذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح إلى مواضيع أدبية متنوعة