سفينة نوح : الهجرات المشرقية إلى مصر والشام زمن سلاطين المماليك - المجلد الأول
تأليف
أحمد محمود إبراهيم
(تأليف)
في زمنٍ كانت فيه الجغرافيا الإسلامية تمتد بلا حدود تفصل بين الشعوب، شكّلت السيولة السياسية في العصر الوسيط ممرًّا واسعًا للهجرة والتنقّل، حيث لم تكن “دار الإسلام” مجرد أرضٍ تجمع المسلمين، بل فضاءً واحدًا متّصلًا يتيح لأبنائه حرية العبور من بلدٍ إلى آخر دون خوفٍ أو حواجز قومية.
ومن دمشق إلى بغداد، ثم إلى القاهرة ودمشق مع قيام دولة المماليك في منتصف القرن السابع الهجري، تنقّل مركز القيادة السياسية والحضارية تبعًا لتحولات التاريخ وتقلبات القوة. وقد غدت دولة المماليك (648–923هـ / 1250–1517م) الملاذ الآمن للشرق الإسلامي، إذ نجحت في حماية استقلاله من الغزو المغولي، فاستقطبت المهاجرين من أقاليم شتى، وجمعت في كنفها أعراقًا وثقافاتٍ متعددة، تركت بصمتها في السياسة والفكر والفنون.
لقد مثّلت دولة المماليك سفينة النجاة لثقافة المشرق الإسلامي في أواخر العصر الوسيط، إذ احتضنتها بعد سقوط مراكزها في العراق وإيران وما وراء النهر، فكانت أشبه بـ سفينة نوح التي أنقذت الحضارة من الغرق، وحافظت على وهجها حتى عصورٍ لاحقة.