على ضفاف الضاد: المعنى والدليل
تأليف
هيثم قاسم عواركه
(تأليف)
حين وصفنا في بداية هذا الكتاب علم الدلالة بأنه “العلم الذي لا ينتهي”، كان قصدنا أن اللغة ذاتها لا تنتهي أيضًا، فهي عالم واسع المعاني لا حدود له. إن البحث في الدلالة هو بحث عن اللغة ومن خلالها وبها وعليها، لأنها تتغلغل في كل تفاصيل النظام اللغوي. فاللغة نظام حيّ، وروح هذا النظام هي المعاني؛ إذ لا وجود للغة دون معانيها التي تنمو وتضعف، تحيا وتموت، ثم تتجدد وتتحول عبر الزمن والمستويات المختلفة.
وإنّ تناول الدلالة في إطارها التداولي والخطابي هو الدليل الأوضح على حيويتها واستمراريتها. لقد اعتقد كثير من اللغويين والمنظّرين أن النظريات الحديثة قد هيمنت على ميدان الدلالة وأزاحته، غير أنّ الحقيقة أن هذه النظريات ذاتها تستمد جوهرها من البحث في المعنى والمدلول، ومن محاولة فهم القيمة التواصلية للنظام اللغوي. فالدلالة هي الأصل والمرتكز، وهي التي تحرك الأعراف اللغوية ضمن سياقات التاريخ والمكان، وفي حضن الشعوب التي تنطق بها وتعبّر من خلالها عن وجودها.
فاللغة هي المعنى، ومستخدم اللغة هو كائن يدلّ ويتواصل. إنّ الدلالة هي وجود الإنسان بمعناه وهويته، يعبّر بها عن ذاته، وتنعكس في ألفاظه وتراكيبه وسياقاته، فيغدو موجودًا بقدر ما يدلّ عليه — موجودًا بلغته وتعبيره. أنا موجود، إذًا أنا أتكلم وأدلّ.