مختارات من كتاب نفح الطيب للمقري الأندلسي
تأليف
أحمد رجب شلتوت
(تأليف)
تُعد مختارات "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" صدى أخيرًا لصوت الأندلس الغائب، حيث ينسج المقري التلمساني من خيوط الحنين والذاكرة سجادة تاريخية لا تُروى فيها الوقائع بقدر ما تُستعاد فيها حضارة من النسيان.
هذه الصفحات ليست مجرد تجميعات من كتاب تاريخي، بل هي شذرات مضيئة من روح الأندلس، خطّها مؤرخ عاشق سبر أغوار الحياة الأندلسية في أزهى عصورها وأحلكها.
ينبض الكتاب بمشاهد حية من الأندلس، يختلط فيها الواقع بالمتخيل، ويسافر فيها القارئ عبر ما رآه المقري في أسفاره، وما عاشه في حنينه. يمزج المقري ببراعة بين السيرة الدقيقة، والوصف الأدبي الساحر، والرسائل السياسية البليغة، ليقدم كتابًا لا يوثق المئات من الأعلام فحسب، بل يرسم بانوراما حية للحياة العلمية والأدبية، من معاقل قرطبة وغرناطة إلى تلمسان والقاهرة.
في هذه الرحلة، تجد صورة الشاعرة ولادة بنت المستكفي تُجاور رسالة الوزير لسان الدين بن الخطيب، وتتداخل أوصاف قرطبة البهية مع أناشيد الشوق وأمواج البحر التي سجلها المقري خلال رحلته إلى مصر. هذه المختارات تتجاوز كونها توثيقًا للتاريخ، لتصبح عملًا فنيًا يحمل في طياته "فعل حب حضاري". إنها محاورة بين صوت منفي وغائب، يفتح من خلالها المقري نافذة للقارئ على جمال حضارة مضت، لكنها لم تغب عن الذاكرة.
وكما قال أبو العباس المقري التلمساني: "كتبت لا أبكي الماضي، بل لأصوغ منه نداءً يبقى ما بقي في القلب نبض".