قفر الدم
تأليف
خولة يعقوب
(تأليف)
في ظلمة الغرفة، حيث تتسلل خيوط الضوء الباهت من خلال النوافذ المغلقة، وقف القمر عاريًا في سماء الليل كأنه يشهد على جريمة غريبة. كانت الفتاة الصغيرة تقف وسط أشلاء البراءة، عيناها الواسعتان حائرتان بين اللعب والواقع المرير.
وفجأة، انطلقت صرخات كانت تعكس صوت الألم والحزن، وكأن الجدران تستنكر ما يحدث داخلها. لقد كان أباها، ذلك الرجل الذي أحبّها بعمق، قد سقط أرضًا، وعيناه مليئتان بالدهشة والخيانة. وجاءت فطيمة، تلك السيدة التي كانت تحمل ابتسامة جميلة، لتحجب عن الفتاة الصغيرة تفاصيل الحكاية المشؤومة التي كانت تتسرّب إلى الزوايا المظلمة في المنزل.
أخذت تنتقل بخفة، كطيف شبح، محاطة بالظلال، واحترقت في قلبها نار من نوع آخر، تلك التي تُخفيها خلف قناع الحب والرحمة. قادت الفتاة برفق إلى الخارج، حيث تراقصت الظلال تحت ضوء القمر، وسردت لها قصة مفجوعة عن الخيانة التي لم تفهمها الصغيرة بعد.
بينما كان الحزن يكتنف المكان، شعرت الفتاة بوجود ثقل في قلبها، بينما كانت الأم الجديدة تعيد تشكيل الأحداث وتزين المأساة بألوان من الوعود الزائفة. أخذت تزرع في ذهنها براءة غير مدانة، لتتلاشى معالم الحقيقة تحت وطأة الأكاذيب.
وفي لحظة من اللحظات، بدا وكأن الزمن توقف؛ وكأن القلوب كانت تصرخ في صمت، وكانت كلمة "أحبك" تتلاشى في الهواء، بينما كانت القضية تُسدل عنانها على الفتاة الصغيرة، التي لا ذنب لها سوى أنها وقعت ضحية لعبة قاسية من الخداع والحنان المظلم.
كان المشهد دراميًا، مليئًا بالتناقضات والألم، حيث اختلطت فيه براءة الطفولة بجريمة لم ترتكبها، وحقيقة سُحبت من بين الدموع، لتبقى الصورة ماثلة في الأذهان كجرح لا يلتئم.
كان الليل كثيفًا كالحبر، وفطيمة تقف عند باب الغرفة ساكنة.
لا أحد غيرها في الممر، لا صوت سوى أنفاسها التي تختنق بين ضلوعها.
يدها تلمس الباب... لا تفتحه.
خلفه جسد مراد يبرد شيئًا فشيئًا.