الأرمن في كتابات الرحالة
تأليف
علي عفيفي علي غازي
(تأليف)
الأرمن شعب مميز؛ يحمل خصائص وراثية وثقافية غنية ومتعددة، إنه شعب ذكي موهوب مبدع، وقادر على تحمل أشد الصعاب، لذلك نراه متمايزًا في مختلف المجالات والمهن والحرف والفنون، والصحافة والطب والصيدلة والهندسة، وتاريخه وتراثه وإنجازاته خير شاهد على ذلك.
لقد أثرت الحضارة الأرمنية في الحضارة الإسلامية وتأثرت بها، إذ أخذ الكُتاب العرب المعرفة الجغرافية إما عن اليونان رأسًا أو عن الترجمات والخلاصات السريانية والأرمنية، ويُمثل هذه المدرسة ابن خرداذبه (820-912م) صاحب كتاب “المسالك والممالك”، واليعقوبي (ت. 897م) مؤلف “كتاب البلدان”، وابن رسته (ت. 912م) واضع كتاب “الأعلاق النفيسة”، والخوارزمي (811-847م) الذي ألف “كتاب صورة الأرض”، وابن الفقيه (ت. 951م) مؤلف “كتاب البلدان”، والكندي (805-873م) مؤلف كتاب “رسم المعمور من الأرض”، وقدامة بن جعفر (873-948م) الذي خلف “كتاب الخراج”.
ويجدر بنا لكي نستوضح لماذا كان للحضارة الأرمنية تأثير في الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى أن نتناول تاريخ تطور تلك الحضارة، التي تمتد بجذورها إلى ما قبل الميلاد، فقد تردى الوضع السياسي في سورية خلال حكم السلوقيين اليونان لها (312-64ق. م.) فعمّت فيها الاضطرابات والصراعات على السلطة والعرش بين حكامها وأمرائها؛ مما اضطر “ديكران الثاني الكبير”، ملك أرمينية (95-55ق. م.)؛ لإنقاذ الموقف بعد أن طلب منه السوريون التدخل لتخليصهم من السلوقيين، فوصلها بجيشه سنة 82ق.م.، واحتل سورية الشمالية أولًا، ثم فينيقية ومدنها: صيدا، صور، وبقية أراضيها، ثم دمشق سنة 70ق. م. فأضحت سورية بكاملها تحت النفوذ الأرمني حتى سنة 67ق. م. حين دخل القائد الروماني “بومبيوس” أرمينية؛ فانتهى نفوذ الحكم الأرمني في سورية، وعادت إلى حكم السلوقيين ثانية حتى احتلها الرومان في سنة 64ق.م.