مسرح الجريمة : علم الجريمة - الجزء الأول
تأليف
أحمد البكري
(تأليف)
تعد الجريمة ظاهرة اجتماعية لازمت المجتمعات البشرية منذ بدأ الخليقة وأن واقعة قتل هابيل على يد أخيه قابيل، أول جريمة وقعت إلا أنها لم تكن الأخيرة، فقد عانت المجتمعات الإنسانية في مختلف أرجاء المعمورة من انتهاكات متعددة الأشكال تقع جميعها في نطاق الجريمة، سواء كانت بالإيذاء البدني أو التخويف أو التعذيب
أو الإرهاب فجميعها سلوكيات تصب في مفهوم الجريمة، لذي فالجريمة ظاهرة توجد في أي مجتمع وتعد جزاء من بنائه وطبيعته فهي تستمر وتتطور مثلما تتطور الحياة الاجتماعية.
وإن كل حادثة، سواء كانت جرمية أو واقعة أو كارثة طبيعية أو صراعاً مسلحاً
أو غير ذلك، تترك آثاراً في مسرح وقوعها، والهدف من التحقيق الذي يليها هو تفسير الحقائق تفسيراً صحيحاً، وإعادة تمثيل الاحداث وفهم ما جرى، وبالنظر إلى الطبيعة العابرة والهشة لتلك الآثار، فإن موثوقيتها وحفظ سلامتها المادية يعتمدان إلى حد بعيد جداً على التصرفات الأولية في مسرح الحادثة، ويمكن تحقيق سلامة الادلة بوسائل محدودة جداً، بمراعاة مجموعة أساسية من المبادئ الارشادية، فالتصرف بعناية ومهنية طوال عملية التحقيق والتحري في مسرح الجرمية عنصر حاسم وشديد الاهمية لقبول الادلة للأغراض القضائية.
إن أية خطوة يخطوها الجاني، وأي شيء يلمسه، وأي شيء يتركه، حتى عن غير قصد، سيشكّل دليلاً صامتاً ضده، فليس مجرّد بصمات أصابعه أو آثار قدميه، بل شَعره، أو خيوط ثيابه، أو الزجاج الذي يكسره، أو آثار الأدوات التي يتركها، أو الدهان الذي يخدشه، أو الدم أو المنِيّ الذي يفرزه أو يجمعه - كل هذه وأكثر تشكّل شاهداً صامتا ضده، إنها أدلة لا تُمحى ولا تشوِّشها إثارة اللحظة..