معركة الذئب : الهوة

هذه روايتي...

إن أردتَ قراءتها، فاقرأ كلماتها على مهل، وامشِ بين معانيها برفق، وعايش أسطرها كما تحب.

كتبتُها بماء العين، وبعَصْر القلب، وبخلاصة الفكر.

وضعتُ فيها جهدَ سنواتٍ من حبّ الأدب، والتجوّل في أروقته.

كنتُ قبل كتابتها مكانَك، أترقّب المراجعات، وأتساءل:

أترى هذه الرواية تستحق أن أهبها وقتي الثمين قارئًا؟

لكن في لحظةٍ غريبةٍ لا أعرف سرَّها،

استللتُ قلمًا من أضلعي، وغمستُه في مداد قلبي،

وزفرتُ فيه نفحةً من طيني الفاني...

فكانت هذه تجربتي الأولى في عالم الرواية.

استعدّوا لمواجهة الذئب. 🐺

فلعلّك، وأنت تخوض هذه المعركة،

تجد فيها بعضًا من نفسك.

:

ما إن تبدأ في تصفح الرواية من الغلاف، حيث يرتسم العنوان، حتى تظن أنك بصدد دخول عالم غرائبي قد تعجزك متاهاته عن فهم ما يريد الكاتب قوله!

ولكن مهلاً!

فمع تقدمك في قراءة الصفحات، تكتشف شيئاً فشيئاً أن طريقك لخوض معركة الذئب ليس بذلك الغموض الذي توقعته، وإن لم يخلُ من إثارة جذابة.

فقبل أن يأخذنا الكاتب إلى مغامرة بطله الغرائبية، يأخذنا إلى عوالمه الداخلية التي تشكلت بدراسة التاريخ، وقبل ذلك بين كتب التراث وقصصه في كنف أبٍ منطلق الفكر، مولع بالمغامرة وبصعود جبل قافر، وأمٍّ تجمع بين حنانٍ وبساطة ولطفٍ يحتوي أسرتها، وفي منزل رحب بفضاءين سماويين أمامي وخلفي، تنتشر فيه النباتات الخضراء؛ فيقترب بعضها من الأرض كالنعناع والمريمية، ويعانق بعضها السماء كتلك النخلة...

فكيف لنفسٍ ارتبطت بالأرض أن تتخلى عن قيمها، أو لنفسٍ حلقت في الفضاء أن تُحبس في مكتب أرشيف؟!

لقد قدَّم حسن الطيب فاروق على معركته بشكل مجاني...

فهي نتيجة طبيعية لنفسٍ تواقة لعالمٍ مشتهًى، تسوده قيمٌ تشربها في طفولته وفتوته... وفي وقت توالت فيه عُقَدٌ عجلت بانطلاق الروح الشغوفة؛ فاشتباه بإصابة الأم بذلك المرض الخبيث، وإجازة إجبارية من الأرشيف، أتاحتا فرصة لإعادة تأمل حياته الجافة والرتيبة!

فكانت الرحلة التي لا بد لها من شركاء فيها، وفي الهرب من حياته وواقعه، وإن كان لكل منهم أسبابه، ليخوض مغامرته المشوِّقة في جبل قافر، ليصنع ذلك العالم الذي طالما طمح إليه، بعيداً عن واقعه المرير، وليستعيض بالخيال عن الواقع، ويرتشف مذاقاتٍ لم يذقها من قبل، فيأخذنا إلى عالم يضج بالإثارة وبأحداث متسارعة تقطع الأنفاس، لنعود في النهاية إلى بيت المتنبي الذي قرأناه في صفحة الرواية الأولى، ونفهم مغزى الاستهلال به..

"نَصيبُكَ في حياتكَ من حبيبٍ نصيبك في منامك من خيال"

تضج هذه الرواية بالرموز والإلهامات من التراث العربي، بداية من أسماء الشخصيات الرئيسية والثانوية (حسن الطيب فاروق / عماد / جلال / سلاف)، ورمزية النباتات في المنزل (دالية عنب / ميرمية / ليمون / نخلة)، ورمزية الأماكن (جبل قافر / الأرشيف)، وغيرها مما يتكشف أثناء القراءة.

وتلمس استلهام الفكر والتراث والتاريخ العربي في الصحبة الثلاثية، فطالما قرأنا في الشعر العربي الشاعر ينادي ويخاطب رفيقيه وخليليه، وهكذا كان حسن مع جلال وعماد!!

كما يستدعي الكاتب في روايته بعض مفردات التراث العربي من أبيات شعرية، كأبيات ابن زريق البغدادي.. ويتردد اسم الأندلس وحلم استعادة مجد زمانها من خلال كتابها المفقود في مغامرته!!

وقبل هذا وكذلك، فإن الرمزية هي أيضاً في عنوان الرواية (معركة الذئب / الهوة).

رمزية نحاول فكها.. وتثير السؤال..

هل هناك معركة قادمة للذئب بعد الهوة؟!

رائعة بكل تفاصيلها مغامرة مشوقة تغوص بالخيال والرمزية كل صفحة فيها شعور وإثارة أسلوب الكاتب يأخذك لعالم مختلف ويترك أثر طويل في ذهنك وقلبك

كان لي شرف مناقشة هذه الرواية مع مجموعة من المبدعين العرب من خلال صفحة المنتدى العربي للنقد المعاصر. رواية تحمل في طياتها الكثير من الخيال الخصب، والرمزية العالية، من خلال حكاية اتخذت من التاريخ ومجرباته حلبة لصراع الشخوص وإدارة الأحداث. الكاتب مهموم بقضايا أمته خاصة، وقضايا الإنسان عامة. أنصح بقراءة هذه المتعة الأدبية لكل محب للأدب في ثوب من الخيال والغموض.