الجيوبوليتيك وتشكيل الخطاب السياسي
تأليف
مجيد حميد شهاب البدري
(تأليف)
تُعد الدراسات الجيوبوليتية من الاتجاهات البحثية الحديثة التي أحدثت تحولًا جذريًا في مسار علم الجغرافيا المعاصر، سواء من حيث المنهجية أو الرؤية. وقد تطور حقل "الجيوبوليتك" ليصبح علمًا قائمًا بذاته، يمتلك مدارس وتيارات فكرية متعددة، ويعتمد على أسس ومنطلقات نظرية ومنهجية مستقلة. ويتميّز هذا الحقل بتداخله مع علوم أخرى قد تبدو متباينة في مرجعياتها، لكنها تُسهم مجتمعة في إثراء التحليل الجيوبوليتيكي عند إدماج البعد المكاني في دراستها.
في هذا السياق، لم يعد مفهوم "المكان" في الدراسات الجيوبوليتية الحديثة محصورًا في موقعه الجغرافي أو خصائصه الطبوغرافية والمناخية والديموغرافية، كما كان الحال في الجغرافيا التقليدية، بل أصبح عنصرًا فاعلًا في معادلة الصراع الدولي. فالمكان الجغرافي اليوم يُستخدم كأداة استراتيجية ضمن خطط طويلة الأمد، تُعيد من خلالها القوى الدولية رسم نفوذها وهيمنتها بطرق وآليات جديدة، الأمر الذي أسفر عن صياغة منطق جديد للصراع الجيوبوليتيكي العالمي.
وبات المكان يلعب دورًا محوريًا في رسم ملامح النظام العالمي المعاصر، من خلال توظيفه في مشاريع جيوسياسية كبرى، مثل شبكات الطاقة، والسيطرة على الأسواق العالمية، والتحكم في الموارد المائية، وبناء القواعد العسكرية، وغيرها من الاستراتيجيات بعيدة المدى التي تُسهم في تشكيل توازنات ومعادلات دولية جديدة، يكون فيها "المكان" أحد أبرز أدوات التأثير والمناورة.