تأثر الثقافة العربية بالثقافة اليونانية
تأليف
إسماعيل مظهر
(تأليف)
تجلّت الثقافة العربية في أبهى صورها، ناضجةً متكاملة، ومُشرَبةً بروح الشمول والاكتمال. وليس من العجب أن تتّسم بـ«العالمية»، إذ تنبع هذه السمة من أصلين جوهريين: أولهما أنها ثقافة ذات جذور إسلامية، استمدت من الدين الإسلامي طابعه العالمي، فحملت رسالته التي لا تعرف الحدود ولا تقف عند أمة أو مكان. أما ثانيهما، فهو انفتاحها على عناصر الفكر اليوناني، تلك الحضارة العالمية التي أضاءت العالم القديم. وهكذا، فإن عالمية الثقافة العربية نابعة من أصالة إسلامها، ومغتنية بروافد أعظم حضارات التاريخ القديم.
ومن هذا التفاعل الفريد نشأت واحدة من أعظم الحضارات العالمية، ألا وهي الحضارة العربية الإسلامية، التي تُعد الثانية في مسار التاريخ البشري. وفي تقديري، فإن أثمن ما ورثته الثقافة العربية من نظيرتها اليونانية هو ذلك الزخم الفكري العميق، الذي منح الإرث العربي سمات الخلود والقوة، وزاد من طاقته على الاستمرار والتجدد.
أما ذلك البعد العالمي الذي نقلته الحضارة العربية إلى أوروبا في عصورها الوسطى، فقد شكّل أعظم ما حمَله العرب على كاهلهم من رسالات حضارية، ليسهموا به في بناء المدنية الحديثة. ولو لم يكن لهم من فضل سوى هذا، لكان كافيًا دليلاً على عظمة الدور الذي أدّوه، وضخامة الأساس الذي أرسوه لحضارة الإنسان.