السريع، العابر، المتشظي : مقاربات نقدية في الجمالية المعاصرة
تأليف
سعد القصاب
(تأليف)
بات مفهوم "المعاصرة" هو الأجدى في دلالته لتعيين الراهنية التي يتميّز بها عالمنا اليوم. هذا العالم الذي أصبح يطلّ علينا من صفحات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، كما يظهر في الصور الافتراضية على اجهزة الاتصال الذكية، وينكشف عبر الاشهار في الفضائيات، وحتى في الاستهلاك المتحقق في الفضاء المديني. ليس الامر بمثابة إطلاق صفات ونعوت بل حقائق وأفعال غدت تشّكل واقعية هذا العالم وبداهته معاً.
نحن أمام مفاهيم إشكالية بامتياز، تضعنا أمام سياقات نظر وتفكّر غير مسبوقة من قبل، في العلم والفكر كما في الأدب والفن على حد سواء. فالعالم لم يعد ذلك الكيان الثابت والصلب والمحسوس ذا الطبيعة التأسيسية، بل أنتقل الى حضور يكتنفه التحوّل والخّفة والأثيرية، وحيث لايمكن تعينه وتلمسّه بدقة. ويكاد ان يبتعد عن كونه موضوعاً إنسانياً حتى غدا يقترب في كونه نتاجاً لتقنيات، تخصصية وشديدة الدقة، او مشهد عنها. التقنية التي أصبحت بدورها طموحة الى الدرجة التي تجاوزت فيها مهمتها الوظائفية من أجل تكون عقيدة شبة راسخة في واقعنا وطبيعته المعولمة.
تحوّلٌ أصبح فيه التمثيل في الفن بدافعيته الجمالية الذي يسعى للتعبير عن هذا العالم وواقعه ظرفياً بامتياز. لجهة اهتمامه بطريقة ظهور لا تنفصل فيها المعاني وأساليب تحققها عن الاستهلاك، والاشهار، والموضة، وكل ما هو افتراضي. متجاوزة تلك الافكار المتعلقة بالاصالة والموثوقية والفرادة. فالصورة وتمثيلات العالم الافتراضي هي من نتشئ عالمها وحقلها ومجالها الواقعي. صورة الواقع الان وتمثيلاته غير معنية تماماً بالمقارنة بين النموذج والأصل. هي نماذج في ذاتها، خالقة لمرجعها، ولكنه من نوع مختلف، يبقى امتيازه في تبدله وعدم رسوخه.
قيم وأحكام سابقة وطبيعة تفكير وطريقة تحصّل لمعارف واستجابات ذوقية وجمالية تمّ تخطيها لصالح مفاهيم وأحكام جديدة، مختلفة ومغايرة، بات يؤسس لها عالمنا المعاصر. ولا شك ان مثل هذه المؤثرات قد انعكست بالضرورة على العملية الفنية والممارسات الجمالية المتنوعة وطبيعة تمثيلاتها، حتى أصبح الفن مثالاً لهذا التحوّل الحضاري الجديد وشاهد عليه.