*في عالم تتقاطع فيه النوايا والغرائز، و في مجتمع منغلق تحكمه العادات والتقاليد، حيث تُقيد حرية الفرد وتُفرض الأدوار على الجميع، تدور أحداث رواية "العاطلون" فتكشف لنا الكاتبة عن الصراعات الخفية بين رغبات الشخصيات والقيود الاجتماعية التي فرضت عليها.
رواية العاطلون تصور مدينة "المسرة" " مدينة الجنائز المؤجلة والظلمة التي تأتي رفقة الشمس".
"المسرة" مكان المهزومين والمنهكين نفسيًا ووجوديًا، سكان المدينة عاطلون، مغتربة أنفسهم، منكسرة أرواحهم ،يعيشون صراعا مع قيم بالية موروثة تفتقد للمعنى،وتنتقد الممارسات الدينية الموروثة التي صارت طقوسًا سطحية بعبارة معبرة جدا"أصنام تطوف حول أصنام".
وتعرض الشخصيات في صراع دائم بين الواقع القاسي والهوية المفقودة. الأب والشيوخ يرمزون للسلطة التقليدية، بينما أصوات النساء والأعراس المكبوتة تعكس الظلال الاجتماعية والقمع المجتمعي.
*الشخصيات في الرواية تخضع لمنظومة اجتماعية تحدد ما ينبغي أن تكون عليه المرأة وما يجب أن يكون عليه الرجل. فبثينة تُجبَر على الزواج خوفًا من "لعنة العنوسة"، فيُسلب حقها في الاختيار لأن المجتمع يحصر قيمتها في الدور الجندري التقليدي للمرأة كزوجة. وفي المقابل، يُمنح مقداد مكانة الرجل حتى وهو عاجز على أبسط دور يجب أن يقوم به و هو إعالة أسرته، بينما يُنعت بـالأنثوي فقط لأنه لا يطابق صورة الرجولة المفروضة ظاهرا، وليس لتقصير في آداء واجباته.
هكذا تتحرك أحداث الرواية داخل شبكة من الأدوار والمعايير التي تشكّل مصائر الشخصيات وتكشف اختلالات النظام الاجتماعي.
* من المفارقات الساخرة في الرواية التي تكشف هشاشة البشر، نجد المعالج النفسي نفسه في حاجة إلى علاج، والسلطة على العقل تتحول إلى ضعف. وفي صراع الأبوّة، يتقابل أب يسعى لإنقاذ ابنته من غيبوبة مع آخر يجرّها نحو الهلاك، مطوّعًا حياتها لمخاوفه ووصاياه، ليظهر التناقض بين الرغبة في الحماية والرغبة في السيطرة، بين الحب والإخضاع.
تختم خولة روايتها بعبارة جميلة فتقول :"والقصص لها لحن كوني خصيصا حين ترويها الجدات"
وأنا أقول أن الرواية لها صرخة كونية حين تكتبها خولة.
#ملاحظات:
*أسلوب الكاتبة في الرواية سلس وانسيابي، يخلو من أي تكلّف لغوي،يمنح القارئ شعورًا بالراحة أثناء القراءة، يحمل عمقاً وإيحاءات قوية تجعل النصّ قريباً من القارئ ومؤثّرًا في الوقت نفسه، وقد نجحت الكاتبة في خلق توازن متناغم بين السرد والوصف.
*تسارعت وتيرة الأحداث في النهاية، خصوصاً منذ التحاق بثينة بالعمل في المستشفى والأحداث التي تليها. تمنيت لو لم تنته بتلك السرعة.
*وجود بعض الهفوات في صياغة الجمل، وبعض الكلمات العامية تحتاج لشرح في الهامش أو بين قوسين.
كما أحببت توظيف الكاتبة اللهجة الجزائرية في الحوار.

