العاطلون
تأليف
خولة بن ساسي
(تأليف)
المسرة، ذلك المكان المشطوب من خرائط الأحلام، كان رغم كل شيء الحاضن الأخير للجميع، القفة التي تُحمل فيها خيباتنا، والملاذ الذي يعود إليه المنهزمون بلا خجل. لا أحد يخفي كسره هنا؛ فالجميع يسير بخطى عرجاء، حتى الإيمان في المسرة يبدو ساقطًا، متعبًا، وقد فقد شكله الأول.
هناك، يقضي الشيوخ أعمارهم في التباكي على فكرة زيارة البقاع المقدسة، ثم ينقلبون ليطوفوا حول أول مقام يصادفونه، يشعلون الشموع، يرقصون، ثم يتنكرون لكل ما كانوا عليه، ويتحولون إلى مجرد وجوه متشابهة، تدور حول أصنام صُنعت من أوهامهم. رأيت أبي يشاركهم الرقص، يدور باكيًا أمام رفات رجل قيل إنه كان لصًا قبل أن تفتح له السماء أبوابها. لكني واثق أن أبي كان سيطلق عليه النار لو قام وأراد أخذ دجاجة من قنّه.
حتى الغناء في المسرة ليس غناء، بل طنين مجنون يتردد عند قبور الأولياء، أو أصوات النساء المكبوتة في أعراس صامتة. ومع ذلك، كانت للمسرة موسيقاها الخاصة، موسيقى كونية لا يمكن لأحد أن يضاهيها، موسيقى صمتها العميق.
الأيام هنا تتكرر بخطوات محفوظة، والساعات تمتد ثقيلة مثل صفار الشمس المسكوب على الأزقة والوجوه. ترى البطون منتفخة والعقول خاوية، يلوك الناس ما يُقال في نشرات الأخبار، ويعيدون تدوير مقالات الجرائد الرخيصة، حتى يعلّمك من لا يعرف كتابة اسمه كيف تعيش. إنها مدينة الجنائز المؤجلة، حيث تأتي الظلمة كل يوم برفقة الشمس.