المتنبي في مرآة الاستشراق
تأليف
حمزة أمين
(تأليف)
تُعدّ حادثة سجن أبي الطيب المتنبي واستتابته من الإشكاليات الغامضة في سيرته، إذ تفتح الباب أمام عدد من التساؤلات الجوهرية: لماذا سُجن؟ ولماذا استُتيب؟ ولماذا جاءت رواياته عن أصل لقبه "المتنبي" متناقضة؟ هل يعود هذا اللقب -كما أشار ابن جني- إلى بيتي شعرٍ شبّه فيهما نفسه بالنبي صالح في ثمود وبالمسيح بين اليهود؟ أم أنّ ما ذهب إليه المعرّي من أن "النبوّة" ليست سوى استعارة لمكانته الشعرية الفريدة هو التفسير الأدق؟ وما مدى صواب تأييد المستشرق كراتشوفسكي لهذا التأويل؟
تتعمّق هذه التساؤلات حين نربطها بحادثة سجن المتنبي في سنة 322هـ، خاصة وأنه لم يكن قد التحق بعد بدروس "الناشئ"، الذي أكّد بدوره أنّ المتنبي لم يُعرف بهذا اللقب إلا بعد سنة 325هـ، أي بعد فترة من خروجه من السجن، لا قبله كما افترض بلاشير.
وقد بنى المستشرق بلاشير أطروحته حول "نبوّة المتنبي" على ثلاث روايات وصفها بـ"الأطروحة الشرقية"، وكلها تعود في أصلها إلى مصدر واحد هو القاضي التنوخي، المعروف بقربه من الوزير المهلّبي، خصم المتنبي اللدود. هذه الروايات فنّدها المحقق محمود شاكر، مبرزًا تناقضاتها وضعف سندها.
المفارقة أن بلاشير نفسه لا يجزم بصحة هذه الروايات ولا ينفيها، بل يطرح تساؤلات إضافية: لماذا ارتبط لقب "المتنبي" بخروجه من السجن؟ ولماذا حذف الشاعر بعض المقطوعات من ديوانه؟ ما الوسيلة التي مكّنته، وهو في سن التاسعة عشرة، من فرض نفوذه في البادية؟ من هو "معاذ" الذي زعم أنه تبعه في دعوى النبوة؟ وما مدى مصداقية شهادته؟
إنها تساؤلات تعيدنا إلى قلب الجدل القديم حول شخصية أبي الطيب المتنبي، بين وقائع تاريخية غامضة، وتأويلات نقدية لا تزال قابلة للمراجعة.