الانفعالات في التجربة الصّوفيّة : بين النكوص والتمرد
تأليف
أسماء خوالدية
(تأليف)
"ليس مناط بحثنا الانفعال الصّوفيّ في المُطلق، إنّما طبيعة تلقّيه والتّجاوب معه، لأنّ الإتحاف به لا يُتوّج الكينونةَ فحسبُ. بل يُكسِبُها ماهيَتَها الحَقَّةَ. والمسألةُ تنطوي على التباسٍ شائكٍ. إنّه في الوقت الذي يتقصّدُ الصّوفيُّ تجريب هذا الانفعال، فإنّه يَنْسَحِقُ به. لَكأنّه غير مُطالَبٍ بتفسيره، ولا تبريره، ولا حتّى فهمه. إنّه يُفْهِمُهُ حقيقَتَهُ ووهميَّةَ واقعه البشريّ. إنّه يُشِهِدُهُ ذاتَهُ، ويُشهِدُهُ حقيقة صانعها.
سيُثري ذلك معرفتنا بالرّوابط الجوهريّة التي تُحرّك الانفعالات وتُبديها، تلك التي لوّنت التّجربة الصّوفيّة بميزات نوعيّة نراها معدومَةً في التّجارب الأخرى. لذا ستكون الانفعالات لُبّ بحثنا، لا بما هي تحقُّقٌ فحسبُ. بل بما هي إمكانٌ أيضًا. ما الذي يجعلُ حدوثها ممكنًا؟ وما الذي يجعلُهُ مُستحيلا؟ وعلى أيّ نحوٍ يرتضيها الصّوفيّ؟ وما الجدوى من تقصّي مُمكنات الانفعال وهو المُنفلت والفجئيّ، والعَصيّ عن الوصف؟ إلى أيّ حدّ يمكن تدبّر "الظّواهر الانفعاليّة" وهي الخاضعةُ للحسّ الوجدانيّ الذّاتيّ؟ وهل يجوز أن نُحدّد ما هو انفعاليٌّ وما هو غير انفعاليٍّ والحال أنّه ما من شيء - جلَّ أمرُهُ أو هانَ- إلاّ وهو قابلٌ لأن يكون مُحفّزا انفعاليّا؟ كأن يكون ذكرا مُزعِجًا، أو خوفا مُقلِقًا، أو حادثة لطيفة، أو إشارة دقيقة، أو كلمة مواتية، أو سرّا واردا، أو شوقا عارما، أو أَسَفًا فائتا، أو صوتا عذبًا، أو طيفا عابرا... لذا سنكتفي بما تمّ التّعبيرُ عنه من الانفعالات، سواءٌ ممّن خَبِروها، أو ممّن عاينوها، أو ممّن وصلهم الحديثُ عنها. وسننظُر كيفيّات التّعبير عنها تصويريّا ورمزيّا ومجازيّا."